كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 9)
وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل من هم يا رسول الله؟ قال: «الجماعة»، وفي رواية «ما أنا عليه وأصحابي» (¬١).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وهذا التفريق الذي حصل من الأمة - علمائها ومشايخها وأمرائها وكبرائها - هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله، كما قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: ١٤].
فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به، وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب» (¬٢).
ومن أمثلة السلف الصالح التي تبين حرصهم على جمع الكلمة، ووحدة الصف، وتأليف القلوب، وعدم الفرقة والخلاف، وتقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة، ما حصل من تنازل الحسن بن علي -رضي الله عنهما- عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-، حيث سُمي ذلك عام الجماعة؛ لاجتماع كلمة
---------------
(¬١). سنن الترمذي ٢٦٤١، ومسند الإمام أحمد (١٤/ ١٤٢) برقم ٨٣٩٦، وسنن ابن ماجه برقم ٣٩٩٢، وصححه البوصيري والشيخ الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة برقم ١٤٩٢.
(¬٢). الفتاوى (٣/ ٤٢١) بتصرف.