كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 9)

الْإِسْلَامَ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ شَيْءٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ.
وَاحْتَمَلَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لَهُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ثُبُوتُ حُكْمِهِ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، فَإِذَا وُجِدَتْ، تَحَقَّقَ الشَّرْطُ، فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ حِينَئِذٍ، كَمَا تَعُودُ إلَيْهِ أَمْلَاكُهُ الَّتِي زَالَتْ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ. فَعَلَى هَذَا، إنْ مَاتَ، أَوْ قُتِلَ، ثَبَتَ الْمِلْكُ لِمَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَاهُ.

[فَصْلٌ إنْ لَحِقَ الْمُرْتَدّ بِدَارِ الْحَرْبِ]
(٧٠٩٦) فَصْلٌ: وَإِنْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ مَالِهِ، يَصِيرُ مُبَاحًا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، كَمَا أُبِيحَ دَمُهُ، وَأَمَّا أَمْلَاكُهُ وَمَالُهُ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَمِلْكُهُ ثَابِتٌ فِيهِ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ الْحَاكِمُ بِمَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُورَثُ مَالُهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَوْتَى، بِدَلِيلِ حِلِّ دَمِهِ وَمَالِهِ الَّذِي مَعَهُ لِكُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّهُ حَيٌّ فَلَمْ يُورَثْ، كَالْحَرْبِيِّ الْأَصْلِيِّ، وَحِلُّ دَمِهِ لَا يُوجِبُ تَوْرِيثَ مَالِهِ، بِدَلِيلِ الْحَرْبِيِّ الْأَصْلِيِّ، وَإِنَّمَا حَلَّ مَالُهُ الَّذِي مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْعَاصِمُ لَهُ، فَأَشْبَهَ مَال الْحَرْبِيِّ الَّذِي فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْعِصْمَةِ، كَمَالِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي مَعَ مُضَارِبِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ عِنْدَ مُودَعِهِ.

[مَسْأَلَة مِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ دُعِيَ إلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ]
(٧٠٩٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ، دُعِيَ إلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ صَلَّى، وَإِلَّا قُتِلَ، جَاحِدًا تَرْكَهَا أَوْ غَيْرَ جَاحِدٍ قَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فِي بَابٍ مُفْرَدٍ لَهَا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي كُفْرِ مَنْ تَرَكَهَا جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا، إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُ مِثْلُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْوُجُوبَ، كَحَدِيثِ الْإِسْلَامِ، وَالنَّاشِئِ بِغَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ، وَعُرِّفَ ذَلِكَ، وَتُثْبَتُ لَهُ أَدِلَّةُ وُجُوبِهَا، فَإِنْ جَحَدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَفَرَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَاحِدُ لَهَا نَاشِئًا فِي الْأَمْصَارِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ يُكَفَّرُ بِمُجَرَّدِ جَحْدِهَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي مَبَانِي الْإِسْلَامِ كُلِّهَا، وَهِيَ الزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ؛ لِأَنَّهَا مَبَانِي الْإِسْلَامِ، وَأَدِلَّةُ وُجُوبِهَا لَا تَكَادُ تَخْفَى، إذْ كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَشْحُونَيْنِ بِأَدِلَّتِهَا، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهَا، فَلَا يَجْحَدُهَا إلَّا مُعَانِدٌ لِلْإِسْلَامِ، يَمْتَنِعُ مِنْ الْتِزَامِ الْأَحْكَامِ، غَيْرُ قَابِلٍ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا إجْمَاعِ أُمَّتِهِ.

[فَصْلٌ اعْتَقَدَ حَلَّ شَيْءٍ أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ]
(٧٠٩٨) فَصْلٌ: وَمَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ شَيْءٍ أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَظَهَرَ حُكْمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَزَالَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالزِّنَى، وَأَشْبَاهِ هَذَا، مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، كُفِّرَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ. وَإِنْ اسْتَحَلَّ

الصفحة 11