كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 9)

أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَى حَدِيثِ مَاعِزٍ، هُوَ أَحْوَطُ. قُلْت لَهُ: فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي مَجَالِسَ شَتَّى؟ قَالَ: أَمَّا الْأَحَادِيثُ، فَلَيْسَتْ تَدُلُّ إلَّا عَلَى مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، إلَّا ذَاكَ الشَّيْخَ بَشِيرَ بْنَ مُهَاجِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَذَاكَ عِنْدِي مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعِ إقْرَارَاتٍ، فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ؛ لِأَنَّ مَاعِزًا أَقَرَّ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ. وَلَنَا، أَنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ أَرْبَعًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّهُ إحْدَى حُجَّتَيْ الزِّنَى، فَاكْتَفَى بِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، كَالْبَيِّنَةِ.

[فَصْلٌ مَا يَعْتَبِر فِي صِحَّة الْإِقْرَار بِالزِّنَا]
(٧١٧٤) فَصْلٌ: يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ يَذْكُرَ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ، لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ؛ لِأَنَّ الزِّنَى يُعَبِّرُ عَمَّا لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْحَدِّ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ؛ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَاعِزٍ: لَعَلَّك قَبَّلْت، أَوْ غَمَزْت، أَوْ نَظَرْت. قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَنِكْتَهَا. لَا يُكَنِّي. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «قَالَ: أَفَنِكْتَهَا؟ . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: حَتَّى غَابَ ذَاكَ مِنْك فِي ذَاكَ مِنْهَا؟ . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَى؟ . قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

[فَصْلٌ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةِ فَكَذَبَتْهُ]
(٧١٧٥) فَصْلٌ: فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَكَذَّبَتْهُ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا صَدَّقْنَاهَا فِي إنْكَارِهَا، فَصَارَ مَحْكُومًا بِكَذِبِهِ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ، فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَسَمَّاهَا لَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَرْأَةِ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ زَنَتْ، فَجَلَدَهُ الْحَدَّ وَتَرَكَهَا» .
وَلِأَنَّ انْتِفَاءَ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّهَا لَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ، كَمَا لَوْ سَكَتَتْ، أَوْ كَمَا لَوْ لَمْ يُسْأَلْ، وَلِأَنَّ عُمُومَ الْخَبَرِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِاعْتِرَافِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ: إذَا كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّنَا صَدَّقْنَاهَا فِي إنْكَارِهَا. لَا يَصِحُّ، فَإِنَّنَا لَمْ نَحْكُمْ بِصِدْقِهَا، وَانْتِفَاءُ الْحَدِّ إنَّمَا كَانَ لِعَدَمِ الْمُقْتَضَى، وَهُوَ الْإِقْرَارُ أَوْ الْبَيِّنَةُ، لَا لِوُجُودِ التَّصْدِيقِ؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ سَكَتَتْ، أَوْ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ، وَالْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ، فِي الْإِقْرَارِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ حُجَّتَيْ الزِّنَى، فَاسْتَوَى فِيهِ الْكُلَّ، كَالْبَيِّنَةِ.

[مَسْأَلَةٌ اعْتِبَار الْبُلُوغ وَالْعَقْل فِي إقَامَة الْحَدّ]
(٧١٧٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَهُوَ بَالِغٌ صَحِيحٌ عَاقِلٌ)

الصفحة 65