كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 104 """"""
فلما طال ذلك على شبيب دعا أصحابه وكانوا مائةً وستين رجلاً ، ففرقهم أربع فرق كل فرقة أربعين ، فجعل أخاه مصادا في أربعين ، وسويد بن سليم في أربعين ، والمحلل بن وائل في أربعين ، وبقي هو في أربعين . وأتته عيونه ، فأخبروه أن الجزل يريد يزدجرد ، فسار شبيب ، وأمر كل رأس من أصحابه أن يأتي الجزل من جهة ذكرها له ، وقال : إني أريد أن أبيته ، فسار أخوه فانتهى إلى دير الخرارة ، فرأى للجزل مسلحة مع ابن أبي لينة ، فحمل عليهم مصاد فيمن معه ، فقاتلوه ساعةً ، ثم اندفعوا بين يديه ، وقد أدركهم شبيب ، فقال : اركبوا أكتافهم لتدخلوا عليهم عسكرهم إن استطعتم . فاتبعوهم فانتهوا إلى عسكرهم ، فمنعهم أصحابهم من دخول خندقهم ، وكان للجزل مسالح أخرى فرجعت ، فمنعهم من دخول الخندق ، وجعل شبيب يحمل على المسالح حتى اضطرهم إلى الخندق ، ورشقهم أهل العسكر بالنبل . فلما رأى شبيب أنه لا يصل إليهم سار عنهم وتركهم ، ثم نزل هو وأصحابه فاستراحوا ، ثم أقبل بهم راجعاً إلى الجزل ، فأقبلوا وقد أدخل أهل العسكر مسالحهم إليهم وأمنوا ، فما شعروا إلا بوقع حوافر الخيل ، فانتهوا إليهم قبل الصبح ، وأحاطوا بعسكرهم من جهاته الأربع ، ثم انصرف شبيب وتركهم ، ولم يظفر بهم ، فنزل على ميل ونصف ، ثم صلى الغداة وسار نحو جرجرايا ، وأقبل الجزل في طلبهم على تعبئته ، وسار شبيب في أرض الجوخي وغيرها ، فطال ذلك على الحجاج ، فكتب إلى الجزل ينكر عليه إبطاءه ويأمره بمناهضتهم ، فجد في طلبهم وبعث الحجاج سعيد بن المجالد على جيش الجزل ، وأمره بالجد في قتال شبيب وترك المطاولة ، فوصل سعيد إلى الجزل وهو بالنهروان وقد خندق عليه ، فقام في العسكر ووبخهم وعجزهم .
ثم خرج ، وأخرج معه الناس ، وضم إليه خيول أهل العسكر ليسير بهم جريدة إلى شبيب ويترك الناس مكانهم ، فنهاه الجزل عن ذلك ، فلم ينته ولم يرجع إليه ، وتقدم ومعه الناس ، وأخذ شبيب إلى قطيطيا ، فدخلها وأغلق الباب ، وأمر دهقانها أن يصلح لهم غداء ، فلم يتهيأ الغداء حتى أتاه سعيد في ذلك الجيش ، فأعلم الدهقان شبيباً ، فقال : لاب أس ، قرب الغداء ، فقربه فأكل وتوضأ وصلى ركعتين ،

الصفحة 104