كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 111 """"""
على العسكر عشية الثلاثاء يوم التروية ؛ فنادى لانسا - وهو على بغلةٍ : أيها الناس ، اخرجوا إلى عدوكم ، فقالوا : هذا المساء قد غشينا والناس لم يوطنوا أنفسهم على لاحرب ، فبت الليلة ثم اخرج على تعبئة ، فأبى ذلك ، ثم نزل وبات ليلته يحرض أصحابه ، فلما أصبح يوم الأربعاء خرج بالناس كلهم ، فاستقبلتهم ريحٌ شديدة وغبرة ، فقال له أصحابه : ننشدك الله أن تخرج بنا والريح علينا . فأقام بهم ذلك اليوم ، ثم خرج يوم الخميس ، ثم عبأهم ، فجعل في الميمنة خالد بن نهيك بن قيس ، وعلى الميسرة عقيل بن شداد ، ونزل هو في الرجالة ، وعبر شبيب إليهم النهر ، وهو يومئذ في مائةٍ وأحد وثمانين رجلا ، فوقف هو في الميمنة ، وجعل أخاه مصاداً في القلب ، وجعل سويد بن سليم في الميسرة ، وزحف بعضهم إلى بعض ، فحمل شبيب على ميسرة عثمان فانهزموا ، ونزل عقيل بن شداد فقاتل حتى قتل ، وقتل مالك ابن عبد الله الهمداني ، ودخل شبيب عسكرهم ، وحمل سويد على ميمنة عثمان فهزمها ، فقاتل خالد بن نهيك قتالاً شديداً ، وحمل شبيب من ورائه فقتله ، وتقدم عثمان بن قطن وقد نزل معه العرفاء وأشراف الناس والفرسان نحو القلب وفيه مصاد أخو شبيب في نحوٍ من ستين رجلا ، فشد عليهم عثمان فيمن معه فثبتوا له .
وحمل شبيب بالخيل من روائهم فما شعروا إلا والرماح في أكتافهم تكبهم لوجوههم ، وعطف عليهم سويد بن سليم في خيله ، وقاتل عثمان بن قطن أحسن قتال ، ثم أحاطوا به ، وضربه مصاد بن يزيد ضربةً بالسيف استدار لها وقال : وكان أمر الله مفعولا .
ثم قتل ، وسقط عبد الرحمن عن فرسه ، فأتاه ابن أبي سبرة الجعفي وهو على بغلةٍ فأركبه معه ، ونادى في الناس : الحقوا بدير أبي مريم ، ثم انطلقا ذاهبين ، ثم أتاه واصل بن الحارث السكوني ببرذون فركبه وسار حتى نزل دير البقار ، وأمر شبيب أصحابه فرفعوا السيف عن الناس ، ودعاهم إلى البيعة فبايعوه ، وقتل يومئذ من كندة مائة وعشرون ، وبات عبد الرحمن بدير البقار ، فأتاه فارسان ، فصعدا إليه فخلا به أحدهما طويلاً ثم نزلا ؛ فقيل : إن ذلك الرجل كان شبيباً ، وكان بينه وبين عبد الرحمن مكاتبةٌ ، وسار عبد الرحمن حتى أتى دير أبي مريم ، فاجتمع الناس إليه وقالوا له : إن سمع شبيبٌ بمكانك أتاك فكنت له غنيمة .

الصفحة 111