كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 114 """"""
عتاب . وأقبل عتاب حتى نزل بسوق حكمة وقد خرج معه من المقاتلة أربعون ألفاً ، ومن الشباب والأتباع عشرة آلاف ، فكانوا خمسين ألفاً . وكان الحداد قد قال لهم حين ساروا : ألا إن للسائر المجد الكرامة والأثرة ، وللهارب الهوان والجفوة ، والذي لا إله غيره لئن فعلتم في هذا الموطن كفعلكم في غيره من المواطن لأولينكم كنفاً خشناً ، ولأعركمكم بكلكل ثقيل .
وسار شبيب من المدائن وأصحابه ألف رجل ، فتخلف عنه بعضهم ، فصلى الظهر بساباط ، وصلى العصر ، وسار حتى أشرف على عتاب وعسكره ، فلما رآهم نزل فصلى المغرب ؛ وكان عتاب قد عبأ أصحابه ، فجعل في الميمنة محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس ، وفي الميسرة نعم بن عليم ، وبعث حنظلة بن الحارث اليربوعي - وهو ابن عمه على الرجالة ، وصفهم ثلاثة صفوف : صف فيهم أصحاب السيوف ، وصف فيهم أصحاب الرماح ، وصف فيهم الرماة ، ثم سار في الناس يحرضهم على القتال ، ورجع فجلس في القلب ، ومعه زهرة بن حوية جالس ، وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وأبو بكر ابن محمد بن أبي جهم العدوي .
وأقبل شبيب وهو في ستمائة ، وقد تخلف عنه من أصحابه أربعمائة ؛ فجعل سويد بن سليم في الميسرة في مائتين ، والمحلل بن وائل في القلب في مائتين ، ووقف هو في الميمنة في مائتين ، وذلك بين المغرب والعشاء الآخرة حين أضاء القمر ، فناداهم : لمن هذه الرايات ؟ قالوا : لربيعة . قال : طالما نصرت الحق ، وطالما نصرت الباطل ؛ والله لأجاهدنكم محتسباً ، أنا شبيب ، لا حكم إلا للحكم ، اثبتوا إن شئتم .
ثم حمل عليهم ففضهم ، فثبت أصحاب رايات قبيصة بن والق ، وعبيد بن الحليس ، ونعيم بن عليم ، فقتلوا ، وانهزمت الميسرة كلها ، ثم حمل شبيب على عتاب بن ورقاء ، وحمل سويد بن سليم على الميمنة وعليها محمد بن عبد الرحمن ، فقاتلهم في رجال من تميم وهمدان ؛ فما زالوا كذلك حتى قيل لهم : قتل عتاب ، فانفضوا . ولم يزل عتاب جالساً على طنفسته في القلب ومعه زهرة بن حوية حتى عشيهم شبيب ، فقال عتاب : يا زهرة ، هذا يوم كثر فيه العدد وقل فيه الغناء ، والهفي

الصفحة 114