كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 27 """"""
يوسف ، فسكر الفرات ، فذهب ماؤها في هذه الأنهار ، وبقيت سفن أهل البصرة في الطين ، فخرجوا من السفن إلى ذلك السكر فأصلحوه ، وقصدوا الكوفة ، وسار المختار فنزل حوراء ، وحال بينهم وبين الكوفة بعد أن حصن القصر والمسجد ، وأقبل مصعب وجعل على ميمنه المهلب ، وعلى ميسرته عمر بن عبيد الله ، وعلى الخيل عباد بن الحصين ، وجعل المختار على ميمنته سليم بن يزيد الكندي ، وعلى ميسرته سعيد بن منقذ الهمداني ، وعلى الخيل عمر بن عبد الله النهدي ، وعلى الرجال مالك بن عبد الله النهدي ، وأقبل محمد بن الأشعث فيمن كان قد هرب من أهل الكوفة ، فنزل بين مصعب والمختار ، فلما رأى المختار ذلك بعث إلى كل خمس من أهل البصرة رجلاً من أصحابه ، وتدانى الناس ، فحمل سعيد بن المنقذ على بكر وعبد القيس وهم في ميمنة مصعب ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، وبعث المختار إلى عبد الله بن جعدة بن هبير المخزومي ، فحمل على من بازائه وهم أهل العالية ، فكشفهم " فانتهوا إلى مصعب فجثا مصعب على ركبتيه ونزل الناس عنده فقاتلوا ساعة وتحاجزوا ثم حمل المهلب على من بازائه فكشفهم " واشتد القتال ، فقتل ابن الأشعث وذلك عند المساء ، قاتل المختار على فم سكة شبث عامة ليلته ، وقاتل معه رجالٌ من أهل البأس ، وقاتلت معه همدان أشد قتال ، ثم تفرق الناس عن المختار ، فقال له من معه : أيها الأمير ، اذهب إلى القصر ، فجاء حتى دخله ، فقال له بعض أصحابه : ألم تكن وعدتنا الظفر ، وأنا سنهزمهم ؛ فقال : أما قرأت في كتاب الله : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " .
قال : فلما أصبح مصعب أقبل يسير فيمن معه نحو السبخة ، فمر بالمهلب ، فقال المهلب ، ياله فتحاً ما أهناه لو لم يقتل محمد بن الأشعث ، فقال : صدقت ؛ ثم قال مصعب للمهلب : إن عبيد الله بن علي بن أبي طالب قد قتل ، فاسترجع المهلب ، فقال مصعب : إنما قتله من يزعم أنه شيعة لأبيه ، ثم نزل مصعب السبخة فقطع عن المختار ومن معه الماء والميرة ، وقاتل المختار ومن معه قتالاً ضعيفاً ، واجترأ الناس عليهم ، فكانوا إذا خرجوا رماهم الناس من فوق البيوت ، وصبوا عليهم الماء القذر ، وكان أكثر معاشهم من النساء تأتي المرأة متخفية ومعها القليل من الطعام والشراب ، ففطن مصعب لذلك ، فمنع النساء ، فاشتد على المختار وأصحابه العطش ،
الصفحة 27
336