كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
فكانوا يشربون ماء البئر بالعسل ، ثم أمر مصعب أصحابه فاقتربوا من القصر ، واشتد الحصار ، فقال المختار لأصحابه : ويلكم ، إن الحصار لا يزيدكم إلا ضعفا ، فانزلوا بنا نقاتل حتى نقتل كراماً إن نحن قتلنا ، واله ما أنا يائس إن صدقتموهم أن ينصركم الله ، فضعفوا ولم يفعلوا ، فقال لهم : أما أنا فوالله لا أعطي بيدي ولا أحكمهم في نفسي ، ثم تطيب وتحنط وخرج من القصر في تسعة عشر رجلاً منهم السائب بن مالك الأشعري ، فتقدم المختار فقاتل حتى قتل ، قتله رجلان أخوان من بني حنيفة ، وهما طرفة وطراف ابنا عبد الله بن دجاجة ، فلما كان الغد من مقتله ، دعا بجير بن عبد الله المسلي من معه بالقصر إلى ما دعاهم المختار ، فأبوا عليه ، وأمكنوا أصحاب مصعب من أنفسهم ، ونزلوا على حكمه ، فأخرجوا مكتفين ، فاستعطفوه ، فأراد أن يطلقهم ، فقام عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث فقال : أتخلي سبيلهم ؟ اخترنا أو اخترهم . وقال محمد بن عبد الرحمن بن سعيد الهمداني مثله ، وقال أشراف الكوفة مثلهما ، فأمر بقتلهم ، فقالوا : يا ابني الزبير ، لا تقتلنا واجعلنا على مقدمتك إلى أهل الشام غداً ، فما بكم عنا غداً غنى ؛ فإن قتلنا لم نقتل حتى نضعفهم لكم ، وإن ظفرنا بهم كان ذلك لكم ، فأبى عليهم وقتلهم برأي أهل الكوفة ، وأمر مصعب بكف المختار فقطعت وسمرت إلى جانب المسجد فبقيت حتى قدم الحجاج فأمر بنزعها .
وكتب مصعب إلى إبراهيم بن الأشتر يدعوه إلى طاعته ، ويقول : إن أطعتني فلك الشام وأعنه الخيل وما غلبت عليه من أرض المغرب ما دام لآل الزبير سلطان .
وكتب عبد الملك بن مروان إلى ابن الأشتر أيضاً يدعوه إلى طاعته ويقول : إن أنت أجبتني فلك العراق . فاستشار إبراهيم أصاحبه في ذلك ، فاختلفوا ، فقال : لو لم أكن أصبت ابن زياد وغيره من أشراف الشام لأجبت عبد الملك ، مع أني لا أختار على أهل مصرى وعشيرتي غيرهم ، فدخل في طاعة مصعب ، وبلغ مصعبا إقباله إليه ، فبعث المهلب على عمله بالموصل والجزيرة وإرمينية وأذربيجان .
قال : ثم دعا مصعب بن الزبير أم ثابت بنت سمرة بن جندب امرأة المختار ، وعمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري امرأته الأخرى ، وسألهما عنه ، فقالت أم ثابت : أقول فيه بقولك أنت فيه ، فأطلقها ؛ وقالت عمرة : رحمة الله عليه ، كان عبداً صالحا .
الصفحة 28
336