كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 293 """"""
طريقه ، فأخذه قهراً ، وأتى به عبد العزيز ، فقال له : بايع لأخيك يزيد ، فبايع ، ووقف ونصبوا رايةً ، فقالوا : هذه راية العباس قد بايع لأمير المؤمنين زيد ، فقال العباس : إنا لله خدعة من خدع الشيطان ، هلك والله بنو مروان .
فتفرق الناس عن الوليد ، وأتوا العباس وعبد العزيز ، وأرسل الوليد إلى عبد العزيز يبذل له خمسين ألف دينار وولاية حمص ما بقي ، ويؤمنه من كل حدث ، على أن ينصرف عن قتاله ، فأبى ولم يجبه ، فظاهر الوليد من درعين ، وأتوه بفرسيه : السندى ، والزائد ، فقاتلهم قتالاً شديدا ، فناداهم رجلٌ : اقتلوا عدو الله قتلة قوم لوط ، ارجموه بالحجارة ، فلما سمع ذلك دخل القصر وأغلق عليه الباب ، وقال :
دعوا لي سليمي والطّلاء وقينة . . . وكأساً ، ألا حسبي بذلك مالا
إذا ما صفا عيشي برملة عالج . . . وعانقت سلمى لا أريد بدالا
خذوا ملككم لا ثبّت الله ملككم . . . ثباتا يساوي ما حييت عقالا
وخلّوا عناني قبل عيرٍ وما جرى . . . ولا تحسدوني أن أموت هزالا
قال : وأحاط عبد العزيز بالقصر ، فدنا الوليد من الباب ، فقال : أما فيكم رجلٌ شريف له حسبٌ وحياء أكلمه وقال يزيد ابن عنبسة السكسكي : كلمني . قال : يا أخا السكاسك ، ألم أزد في أعطياتكم ألم أرفع المؤن عنكم ألم أعط فقراءكم ؛ ألم أخدم زمناكم ؟ فقال : إنا ننقم عليك في أنفسنا ، إنما ننقم عليك فيما حرم الله ، وشرب الخمر ، ونكاح أمهات أولاد أبيك ، واستخفافك بأمر الله .
قال : حسبك يا أخا السكاسك ، فلعمري لقد أكثرت ، وإن فيما أحل الله سعة عما ذكرت .
ورجع وجلس ، وأخذ مصحفا ، ونشره يقرأ فيه ، وقال : يوم كيوم عثمان . فصعدوا على الحائط ، وكان أول من علاه يزيد ابن عنبسة ، فنزل إليه ، وأخذ بيده ، وهو يريد أن يحبسه ، ويؤامر فيه ، فنزل من الحائط عشرة ؛ فيهم : منصور بن جمهور ، وعبد السلام اللخمي ، فضربه عبد السلام على رأسه ، وضربه السرى بن زياد بن أبي كبشة على وجهه ، واحتزوا رأسه ، وبعثوا به إلى يزيد ، فأتاه الرأس وهو يتغدى ،

الصفحة 293