كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 294 """"""
فسجد وأمر بنصب الرأس . فقال له يزيد بن فروة مولى بني مرة : إنما تنصب رؤوس الخوارج ؛ وهذا رأس ابن عمك وخليفة ، ولا آمن إن نصبته أن ترق له قلوب الناس ، وبغضب له أهل بيته .
فلم يسمع منه ، ونصبه على رمح ، وطاف به دمشق ؛ ثم أمر به أن يدفع إلى أخيه سليمان بن يزيد ، فلما نظر إليه سليمان قال : بعداً له أشهد أنه كان شروبا للخمر ماجنا فاسقا ، ولقد أرادني على نفسي الفاسق - وكان سليمان ممن سعى في أمره .
وحكى يزيد بن عنبسة ليزيد بن الوليد أن الوليد قال في آخر كلامه : والله لا يرتق فتقكم ، ولا يلم شعثكم ، ولا تجتمع كلمتكم .
وكانت مدة خلافة الوليد سنة وشهرين واثنين وعشرين يوما . وكان عمره اثنتين وأربعين سنة . وقيل : قتل وهو ابن ثمان وثلاثين سنة .
وقيل : إحدى وأربعين . وقيل : ست وأربعين سنة . والله أعلم .
وكان الوليد من فتيان بني أمية وظرفائهم وشجعانهم ، وأجوادهم ، جيد الشعر ، له أشعارٌ حسنة في الغزل والعتاب ووصف الخمر وغير ذلك ، إلا أنه كان كثير الانهماك في اللهو والشرب وسماع الغناء .
ومن كلامه : المحبة للغناء تزيد الشهوة ، وتهدم المروءة ، وتنوب عن الخمر ، وتفعل ما يفعل السكر ، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء ، فإن الغناء رقية الزنى ، وإني لأقول ذلك على أنه أحب إلي من كل لذة ، وأشهى إلى نفسي من الماء إلى ذي الغلة ، ولكن الحق أحق أن يتبع .
ومما اشتهر عنه أنه استفتح المصحف الكريم ، فخرج له قوله تعالى : " واستَفْتَحُوا وخاب كلُّ جبار عنيد " . فألقاه ونصبه غرضاً ، ورماه بالسهام ، وقال :
تهدّدني بجبّار عنيد . . . فهأنا ذاك جبّار عنيد
إذا ما جئت ربّك يوم حشر . . . فقل يا ربّ مزّقي الوليد
فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى قتل . هذا هو المشهور عنه .
الصفحة 294
336