كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 295 """"""
وروى أبو الفرج الأصفهاني بسنده إلى العلاء البندار ، قال : كان الوليد زنديقا ، وكان رجلٌ من كلب من أهل الشام يقول مقالة الثنوية ، فدخلت على الوليد يوما وذلك الكلبي عنده ، وإذا بينهما سفط . قد رفع رأسه عنه ، وإذا ما يبدو لي منه حرير أخضر ؛ فقال : ادن يا علاء ، فدنوت ، فرفع الحريرة فإذا في السفط . صورة إنسان ، وإذا الزئبق والنوشادر قد جعلا في جفنه . فجفنه يطرف كأنه يتحرك ، فقال : يا علاء ، هذا مانين لم يبعث الله نبيا قبله ، ولا يبعث نبيا بعده ؛ فقلت : يا أمير المؤمنين ، اتق الله ولا يغرنك هذا الذي ترى من دينك . فقال الكلبي : يا أمير المؤمنين ، قد قلت لك : إن العلاء لا يحتمل هذا الحديث .
قال العلاء : ومكثت أياما ، ثم جلست مع الوليد على بناء كان قد بناه في عسكره يشرف منه والكلبي عنده إذ نزل من عنده ، وقد كان الوليد حمله على برذون هملاج أشقر من أفخر ما سخر ، فخرج على برذونه ، فمضى في الصحراء حتى غاب عن العسكر ، فما شعر إلا وأعراب قد جاؤوا به يحملونه منفسحة عنقه ، وبرذونه يقاد ، حتى أسلموه .
فبلغني ذلك ، فخرجت حتى أتيت أولئك الأعراب ، وكانت لهم أبياتٌ بالقرب من أرض البحر لا حجر فيها ولا مدر ، فقلت لهم : كيف كانت قصة هذا الرجل ؟ فقالوا : أقبل علينا على برذون ، فوالله لكأنه دهنٌ يسيل على صفاة من فراهيته ، فعجبنا لذلك إذ انقض رجلٌ من السماء عليه ثيابٌ بيضٌ ، فأخذ بضبعيه ، فاحتمله ، ثم نكسه ، وضرب برأسه الأرض ، فدق عنقه ، ثم غاب عن عيوننا فاحتملناه فجئنا به .
وقد نزه قوم الوليد عما قيل ، وأنكروه ونفوه عنه ، وقالوا : إنه اختلق عليه وألصق به ، وليس بصحيح .
حكى عن شبيب بن شيبة أنه قال : كنا جلوساً عند المهدي ، فذكروا الوليد ، فقال المهدي : كان زنديقا ، فقام ابن علاثة الفقيه ، فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إن الله عز وجل أعدل من أن يولى خلافة النبوة وأمر الأمة زنديقا ، لقد أخبرني من كان يشهده في ملاعبه وشربه عنه بمروءة في طهارته ؛ فكان إذا حضرت الصلاة يطرح الثياب التي عليه المطيبة المصبغة ، ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ، ويؤتى بثيابٍ
الصفحة 295
336