كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 30 """"""
وأقبل مصعب فأحاط بالقصر ، وحاصرهم أربعة أشهر يخرج المختار كل يوم فيقاتلهم في سوق الكوفة ، فلما قتل المختار بعث من في القصر يطلبون الأمان ، فأبى مصعب ، فنزلوا على حكمه ، فقتل من العرب سبعمائة أو نحو ذلك ، وسائرهم من العجم ، فكان عدة القتلى ستة آلاف رجل ، وقيل : سبعة آلاف ، وذلك في سنة سبع وستين ، وكان عمر المختار يوم قتل سبعا وستين سنة ، وكان تارة يدعو لمحمد ابن الحنفية ، وتارة لعبد الله بن الزبير .
وحكى عبد الملك بن عبدون في كتابه المترجم كمامة الزهر وصدفة الدرر ، أن المختار ادعى النبوة وقال : إنه يأتيه الوحي من السماء ، وأظهر ذلك في آخر أمره ، وكان له كرسي يستنصر به .
ذكر خبر كرسي المختار الذي كان يستنصر به ويزعم أنه في كتاب بني إسرائيل
قال الطفيل بن دعدة بن هبيرة : أضقت إضاقة شديدة ، فخرجت يوماً فإذا جار لي زيات وعنده كرسي قد ركبه الوسخ ، فقلت في نفسي : لو قلت للمختار في هذا شيئاً ، فأخذته من الزيات وغسلته ، فخرج عود نضار قد شرب الدهن وهو أبيض ، فقلت للمختار : إني كنا أكتمك شيئا ، وقد بدا لي أن أذكره لك ، إن أبى جعدة كان يجلس عندنا على كرسي ، ويرى أن فيه أثراً من علم . قال : سبحان الله ، أخرته إلى هذا الوقت ابعث به إلي ، فأحضرته وقد غشيته ، فأمر لي اثنى عشر ألفا ، ثم أمر فنودي : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فقال : إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله ، وإنه كان لبني إسرائيل التابوت ، وإن هذا فينا مثله ، فكشفوا عنه وقامت السبائية فكبروا ، ثم لم يلبث أن أرسل المختار الجيش لقتال ابن زياد ، وخرج بالكرسي على بغل وقد غشى ، فكان من هزيمة أهل الشام وقتل أشرافهم ما ذكرناه ، فزادهم ذلك فتنة حتى تعاطوا الكفر .
قال الطفيل : فندمت على ما صنعت ، فتكلم الناس في ذلك ، فغيبه المختار .

الصفحة 30