كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 300 """"""
وقدم منصور الكوفة فحضهم وذم الوليد ويوسف ، وقامت الخطباء فذموهما معه ، فأتى عمرو بن محمد إلى يوسف ، فأخبره ؛ فجعل لا يذكر له رجلا ممن ذكره بسوء إلا قال : لله على أن أضربه كذا وكذا سوطاً ؛ فجعل عمرو يتعجب من طمعه في الولاية ، وتهدده لناس .
وسار يوسف من الكوفة سراً إلى الشام ، فنزل البلقاء ، فلما بلغ خبره يزيد بن الوليد وجه إليه خمسين فارساً ، فعرض رجلٌ من بني نمير ليوسف ، وقال : يا بن عمر ، أنت والله مقتولٌ ، فأطعني وامتنع .
قال : لا ، فدعني أقتلك أنا ولا تقتلك هذه اليمانية فتغيظنا بقتلك .
قال : مالي فيما عرضت خيار ، فطلبه المسيرون إليه ، فلم يروه ، فتهددوا ابناً له ، فقال لهم : انطلق إلى مزرعة له ، فساروا في طلبه ، فلما أحس بهم هرب وترك نعليه ، ففتشوا عليه فوجدوه بين نسوةٍ قد ألقين عليه قطيفة خز وجلسن على حواشيها حاسرات ، فجروا برجله ، وأخذوه ، وأقبلوا به إلى يزيد ، فوثب عليه بعض الحرس ، فأخذ بلحيته ونتف بعضها ، وكان من أعظم الناس لحيةً ، وأصغرهم قامةً .
فلما أدخل على يزيد قبض على لحية نفسه ، وهي إلى سرته ، وجعل يقول : يا أمير المؤمنين ؛ نتفت والله لحيتي ، حتى لم يبق فيها شعرة ؛ فأمر به فحبس في الخضراء فأتاه إنسان فقال له : أما تخاف أن يطلع عليك بعض من وترت فيلقى عليك حجراً فيقتلك ؟ قال : ما فطنت لهذا ، فأرسل إلى يزيد يطلب منه أن يحول إلى حبس غير الخضراء ، وإن كان أضيق منه ، فعجبوا من حمقه ، فنقله وحبسه مع ابني الوليد ، فبقي في الحبس ولاية يزيد وشهرين وعشرة أيام من ولاية إبراهيم .
فلما قرب مروان من دمشق ولي يزيد بن خالد القسري مولىً لأبيه يقال له أبو الأسد قتلهم ، فقتل الحكم وعثمان ويوسف على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى .
وكان يوسف بن عمر يحمق ، وفيه أشياء متباينة متناقضة ؛ كان طويل الصلاة ، ملازماً للمسجد ، ضابطاً لحشمه وأهله عن الناس ، لين الكلام ، متواضعاً ، حسن المملكة كثير التضرع والدعاء ، فكان يصلي الصبح ، ولا يكلم أحداً حتى يصلي الضحى ، وهو فيما بين ذلك يقرأ القرآن ويتضرع ، وكان بصيراً بالشعر والأدب ، وكان
الصفحة 300
336