كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 320 """"""
الأمور ، فقد أظلك أمرٌ عظيم ، سيقوم رجلٌ مجهول النسب يظهر السواد ، ويدعو إلى دولة تكون فيغلب على الأمر ، وأنتم تنظرون .
فقال نصر : ما أشبه أن يكون كما تقول لقلة الوفاء وسوء ذات البين .
فقال : إن الحارث مقتولٌ مصلوب ، وما الكرماني من ذلك ببعيد . قال : ولما خرج نصر من مرو وغلب عليها الكرماني خطب الناس فأمنهم ثم هدم الدور ونهب الموال ، فأنكر الحارث عليه ذلك ، فهم الكرماني به ، ثم تركه ، واعتزل بشر بن جرموز الضبي في خمسة آلاف ، وقال الحارث : إنما قاتلت معك طلباً للعدل ، فأما إذ تتبع الكرماني فما تقاتل إلا ليقال غلب الحارث ، وهؤلاء يقاتلون عصبية ؛ فلست مقاتلا معك ، فنحن الفئة العادلة ، لا نقاتل إلا من قاتلنا ، وأتى الحارث مسجد عياض ، وأرسل إلى الكرماني يدعوه إلى أن يكون الأمر شورى ، فأبى الكرماني ، فانتقل الحارث عنه ، وأقاموا أياما .
ثم إن الحارث أتى السور فثلم فيه ثلمة ، ودخل البلد ، وأتى الكرماني ، فاقتتلوا ، فانهزم أصحاب الحارث وقتلوا ما بين الثلمة وعسكرهم ، والحارث على بغل ، فنزل عنه وركب فرسا ، وبقي في مائة ، فقتل عند شجرة زيتون أو غبيراء ، وقتل أخوه سوادة وغيرهما .
وقيل : كان سبب قتله أن الكرماني خرج إلى بشر بن جرموز عند اعتزاله ، ومعه الحارث ، فأقام أياما بينه وبين عسكر بشر فرسخان ، ثم قرب منه ليقاتله ، فندم الحارث على اتباع الكرماني وقال : لا تعجل إلى قتالهم فأنا أردهم عليك .
فخرج في عشرة فوارس فأتى عسكر بشر ، فأقام معهم ، وخرج المضرية أصحاب الحارث إليه ، فلم يبق مع الكرماني مضري غير سلمة بن أبي عبد الله ، فإنه قال : لم أر الحارث إلا غادراً ، وغير المهلب بن إياس ، فقاتلهم الكرماني مرارا يقتتلون ثم يرجعون إلى خنادقهم مرةً لهؤلاء ومرةً لهؤلاء .
ثم ارتحل الحارث بعد أيام ، فنقب سور مرو ودخلها ، وتبعه الكرماني ، فدخلها أيضا ، فقالت المضرية للحارث : قد فررت غير مرةٍ ، فترجل ، فقال : أنا لكم فارساً خيرٌ مني لكم راجلاً . فقالوا : لا نرضى إلا أن تترجل ، فترجل ، فاقتتلوا هم والكرماني ، فقتل الحارث وأخواه وبشر بن جرموز ، وعدةٌ من فرسان تميم ، وانهزم

الصفحة 320