كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 323 """"""
رجل ، أسمع كلاما حسنا ، وأراك تدعو إلى حق ، فانطلق معي ، فإني رجلٌ مطاعٌ في قومي ، فخرج حتى ورد حضرموت ، فبايعه أبو حمزة على الخلافة ، ودعا إلى خلاف مروان ، وقد كان أبو حمزة اجتاز مرة بمعدن بني سليم ، والعامل عليه كثير بن عبد الله ، فسمع كلام أبي حمزة فجلده أربعين سوطاً ، فلما ملك أبو حمزة المدينة على ما نذكره تغيب كثير .
وفي هذه السنة قدم أبو حمزة إلى الحج من قبل عبدالله بن محمد طالب الحق ، فبينما الناس بعرفة ما شعروا إلا وقد طلعت عليه أعلامٌ وعمائم سود على رؤوس الرماح ، وهم سبعمائة ، ففزع الناس ، وسألوهم عن حالهم ، فأخبروهم بخلافهم مروان وآله ، فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ، وهو يومئذ على مكة والمدينة ، وطلب منهم الهدنة أيام الحج ، فقالوا : نحن بحجنا أضن وعليه أشح ، فصالحهم على أنهم جميعاً آمنون بعضهم من بعض حتى تنفر الناس النفر الأخير ، فوقفوا بعرفة على حدة ، ودفع بالناس عبد الواحد ، ونزل بمنزل السلطان بمنى ، ونزل أبو حمزة بقرين الثعالب . فلما كان النفر الأول نفر عبد الواحد وأخلى مكة فدخلها أبو حمزة بغير قتال ، فقال بعضهم في عبد الواحد :
زار الحجيج عصابةٌ قد خالفوا . . . دين الإله ففرّ عبد الواحد
ترك الحلائل والإمارة هارباً . . . ومضى يخبّط كالبعير الشارد
ومضى عبد الواحد حتى دخل المدينة ، وزاد أهلها في العطاء عشرة عشرة ، واستعمل عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، فخرجوا حتى وصلوا العقيق ، وأتتهم رسل أبي حمزة يقولون : إننا والله مالنا بقتالكم من حاجة ، دعونا نمضي إلى عدونا .
فأتى أهل المدينة وساروا حتى نزلوا قديداً ، وكانوا مترفين ليسوا بأصحاب حرب ، فلم يشعروا إلا وقد خرج عليهم أصحاب أبي حمزة من الغياض فقتلوهم . وكانت المقتلة في قريش ، فأصيب منهم عددٌ كثير ، وقدم المنهزمون المدينة ، فكانت المرأة تقيم النوائح على حميمها ، ومعها النساء فتأتيهم الأخبار عن رجالهم ، فيخرجن امرأةً امرأةً كل واحدة تذهب لقتل رجلها فلا يبقى عندها امرأة ، وذلك لكثرة من قتل .
الصفحة 323
336