كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
واختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الحكم ، فقيل : كان يتحيل ويستخفي ويسمع ما يسره رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى كبار أصحابه في مشركي قريش وسائر الكفار والمنافقين ، وكان يفشى ذلك عنه ، حتى ظهر ذلك عليه ؛ وكان يحكي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مشيته وبعض حركاته ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا مشى تكفأ ، فكان الحكم يحكيه ، فالتفت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوماً فرآه يفعل كذلك ، فقال : فكذلك فلتكن . فكان الحكم مخلجا يرتعش من يومئذ ، فعيره عبد الرحمن بن حسان ، فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه :
إن اللعين أبوك فارم عظامه . . . إن ترم ترم مخلجا مجنونا
يمشي خميص البطن من علم التقي . . . ويظل من عمل الخبيث بطينا
وروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لمروان بن الحكم حين قال في أخيها عبد الرحمن ما قال : أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لعن أباك وأنت في صلبه .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : يدخل عليكم رجل لعين . قال عبد الله : وكنت قد تركت عمراً يلبس ليقبل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلم أزل مشفقاً أن يكون أول من يدخل ، فدخل الحكم بن أبي العاص ، فلهذا قال عبد الرحمن بن حسان في شعره : إن اللعين أبوك . ولم يزل الحكم طريدا إلى خلافة عثمان بن عفان فرده إلى المدينة ، وقال : إن النبي عليه الصلاة والسلام كان أذن في رده .
وكان إسلام الحكم يوم فتح مكة ، ومات في خلافة عثمان قبل القيام عليه بأشهر .
وولد مروان على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل سنة اثنتين من الهجرة ، وقيل عام الخندق ، وقيل يوم أحد ، وقيل ولد بمكة ، وقيل بالطائف ، ولم ير مروان رسول الله عليه الصلاة والسلام ، لأنه خرج إلى الطائف طفلاً لا يعقل ، وقدم لمدينة مع أبيه في خلافة عثمان ، ثم توفي أبوه فاستكتبه عثمان ابن عفان ، وضمه إليه ، فاستولى مروان عليه ، وغلب على رأيه حتى كان سبب قيام الناس على عثمان وقتله .