كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 58 """"""
ومروان أول من قدم الخطبة قبل صلاة العيد ، وكان يقال له ولولده بنو الزرقاء ، يقول ذلك من يريد ذمهم وعيبهم ، وهي الزرقاء بنت موهب جدة مروان لأبيه ، كانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على بيوت البغايا ؛ فلهذا كانوا يذمون بها ، ولعل هذا منها كان قبل أن يتزوجا أبو العاص بن أمية والد الحكم ، فإنه كان من أشراف قريش ، ولا يكون هذا من امرأة وهي عنده . والله أعلم .
ذكر بيعة عبد الملك بن مروان
هو أبو الوليد عبد الملك بن مروان بن الحكم ، وهو الخامس من ملوك بني أمية .
وأمه عائشة بنت المغيرة بن أبي العاص ، وهو أول من سمي عبد الملك في الإسلام ، ولقب رشح الحجر لبخله ، ولقب أيضاً بأبي الذبان لبخره . وقيل : إن السبب في بخره أنه كان يتلو القرآن في المصحف ، فأفضت الخلافة إليه وهو يتلو ، فرد المصحف بعضه على بعض ، وقال : هذا فراق بيني وبينك ، يشير بهذا الكلام إلى المصحف فبخر لوقته ، وعجزت الأطباء عن مداواته ، فكان لا يمر ذباب على فيه إلا مات لوقته ؛ وكان أفوه مفتوح الفم مشبك الأسنان بالذهب .
بويع له في شهر رمضان سنة خمس وستين بعد وفاة أبيه ، وكان ولي عهده كما تقدم ، وأراد عبد الملك أن يقتل أم خالد ، فقيل له : يظهر عند الناس أن امرأة قتلت أباك ، فتركها ، وكان عبد الملك ولد لسبعة أشهر ، فكان الناس يذمونه بذلك .
قيل : إنه اجتمع عنده قوم من الأشراف . فقال لعبيد الله ابن زياد بن ظبيان البكري : بلغني أنك لا تشبه أباك فقال : والله إني لأشبه به من الماء بالماء والغراب بالغراب ، ولكن إن شئت أخبرتك بمن لم تنضجه الأرحام ، ولم يولد لتمام ، ولم يشبه الأخوال ولا الأعمام . قال : من ذاك ؟ قال : سويد بن منجوف .
فلما خرج عبيد الله وسويد قال له سويد : والله ما يسرني بمقالتك له حمر النعم . فقال عبيد الله : وما يسرني والله باحتمالك إياي وسكوتك عني سودها . قال : وكان أول ما بدأ به عبد الملك أن كتب إلى عبيد الله بن زياد واستعمله على ما كان مروان قد استعمله عليه ، فكان من أخبار ابن زياد في مسيره وحروبه ومقتله ما قدمناه في أخبار عبد الله ابن الزبير ، فلا حاجة لنا إلى إعادته ههنا ، فلنذكر من أخبار عبد الملك غير ما قدمنا ذكره :

الصفحة 58