كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 60 """"""
فلما كان بعد دخوله بأربعة أيام أرسل إلى عمرو يستدعيه ، فأتاه الرسول وعنده عبد الله بن يزيد بن معاوية ، فنهاه أن يأتيه ، فقال عمرو : ولم ؟ قال : لأن تبيع ابن امرأة كعب الأحبار قال : إن عظيماً من ولد إسماعيل يرجع فيغلق أبواب دمشق ، ثم يخرج منها ، فلا يلبث أن يقتل . فقال عمرو : والله لو كنت نائماً ما أنبهني ابن الزرقاء ولا اجترأ علي ، مع أني رأيت البارحة عثمان في المنام ، فألبسني قميصه .
ثم قام فلبس درعاً وغطاها بالقباء ، وتقلد سيفاً ، وذلك بعد أن صرف رسول عبد الملك ، فلما نهض عثر بالبساط ، فقال له حميد ابن حريث : والله لو أطعتني لم تأته ، وقالت له امرأته الكلبية كذلك ، فلم يلتفت ، ومضى في مائة من مواليه .
فلما بلغ باب عبد الملك أذن له فدخل فلم يزل أصحابه يحبسون عند كل باب حتى بلغ قاعة الدار ، وليس معه إلا وصيف واحد ، فنظر عمرو إلى عبد الملك وإذا حوله بنو مروان ، وحسان بن بحدل الكلبي ، وقبيصة بن ذويب الخزاعي ، فلما رأى جماعتهم أحس بالشر ، فالتفت إلى وصيفه ، وقال له : انطلق إلى أخي يحيى ، وقل له يأتين ، فلم يفهم الوصيف عنه ، فقال : لبيك فقال عمرو : اغرب في حرق الله وناره ، وأذن عبد الملك لحسان وقبيصة فقاما ، فلقيا عمراً ، فقال عمرو لقبيصة : انطلق إلى يحيى فمره أن يأتيني ، فقال : لبيك فقال : اغرب عني . فلما خرج حسان وقبيصة أغلقت الأبواب ، ودخل عمرو فرحب به عبد الملك ، وقال : ههنا يا أبا أمية فأجلسه معه على السرير ، وحدثه طويلاً ، ثم قال : يا غلام ، خذ السيف عنه . فقال عمرو : إنا لله يا أمير المؤمنين فقال عبد الملك : أتطمع أن تجلس معي متقلداً سيفك ؟ فأخذ السيف عنه ، ثم تحدثا ، ثم قال : له عبد الملك : يا أبا أمية ، إنك حيث خلعني آليت بيمين إن أنا ملأت عيني منك وأنا مالك لك أن أجعلك في جامعة ، فقال له بنو مروان : ثم تطلقه يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم ، وما عسيت أن أصنع بأبي أمية فقال بنو مروان : أبر قسم أمير المؤمنين . فقال عمرو : قد أبر الله قسمك يا أمير المؤمنين . فأخرج من تحت فراشه جامعة ، ثم قال : يا غلام ، قم فاجمعه فيها . فجمعه الغلام فيها ، فقال عمرو : أذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها على رءوس الناس ؛ فقال عبد الملك : أمكراً وأنت في الحديد لا والله ما كنا لنخرجك في جامعة على رءوس الناس ، ثم جذبه جذبة أصاب فمه السرير فكسر ثنيتيه ، فقال : أذكرك الله يا أمير المؤمنين ؛ كسر عظم سني ، فلا تركب

الصفحة 60