كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 62 """"""
قال : وأخرج عبد الملك سريره إلى المسجد ، وخرج ، فجلس عليه ، وفقد الوليد ابنه ، فقال : والله ، لئن كانوا قتلوه لقد أدركوا ثأرهم ، فأتاه إبراهيم بن عربي الكناني ، فقال : الوليد عندي وقد جرح ، وليس عليه بأس .
وأتى عبد الملك بيحيى بن سعيد فأمر أن يقتل ؛ فقام إليه عبد العزيز ابن مروان فقال : يا أمير المؤمنين ، أتراك قاتل بني أمية في يوم واحد ، فأمر بيحيى فحبس ، وأراد قتل عنبسه بن سعيد ، فشفع فيه عبد العزيز أيضاً ، وشفع في عامر بن الأسود الكلبي ، وأمر ببني عمرو بن سعيد فحبسوا ؛ ثم خرجوا مع عمهم يحيى ، فألحقهم بمصعب . ثم بعث عبد الملك إلى امرأة عمرو الكلبية : ابعثي إلى الصلح الذي كتبت لعمرو . فقالت لرسوله : ارجع إليه فأعلمه أن ذلك الصلح معه في أكفانه ليخاصمك به عند ربه .
قال : ولما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير دخل أولاد عمرو عليه وهم أربعة : أمية ، وسعيد ، وإسماعيل ، ومحمد ؛ فلما نظر إليهم عبد الملك قال : إنكم أهل بيت لم تزالوا ترون لكم على جميع قومكم فضلاً لم يجعله الله لكم ، وإن الذي كان بيني وبين أبيكم لم يكن حديثاً ، بل كان قديماً في أنفس أوليكم على أولينا في الجاهلية . فلم يقدر أمية أن يتكلم . وكان الأكبر من أولاد عمرو ، فقام سعيد بن عمرو وكان الأوسط فقال : يا أمير المؤمنين ، ما تنعى علينا أمراً في الجاهلية ، وقد جاء الله بالإسلام فهدم ذلك ، ووعد جنة ، وحذر ناراً ، وأما الذي كان بينك وبين عمرو فإنه كان ابن عمك وأنت أعلم وما صنعت . وقد وصل عمرو إلى الله ، وكفى بالله حسيباً ؛ ولعمري لئن أخذتنا بما كان بينك وبينه لبطن الأرض خير لنا من ظهرها ، فرق لهم عبد الملك وقال : إن أباكم خيرني بين أن يقتلني أو أقتله ، فاخترت قتله على قتلي ، وأما أنتم فما أرغبني فيكم وأوصلني لقرابتكم ، وأحسن جائزتهم ووصلهم وقربهم .
وقد قيل في سبب قتله : إنه قال لعبد الملك حين سار إلى العراق لقتال مصعب : إنك تخرج إلى العراق ، وقد كان أبوك جعل لي الأمر بعده ، وعلى ذلك قاتلت معه ، فاجعل هذا الأمر لي بعدك ، فلم يجبه عبد الملك إلى ذلك ، فرجع إلى دمشق ، وكان من أمره ما تقدم .
وقيل : بل كان عبد الملك قد استخلفه على دمشق ، فوثب بها .
وقيل : إن عبد الملك لم يقتل عمرو بن سعيد بيده ، وإنما أمر غلامه ابن الزعيزعة ، فقتله وألقى رأسه إلى الناس ورمى يحيى بصخرة في رأسه ، وكان مقتله في سنة تسع وستين . وقيل : في سنة سبعين . والله أعلم .

الصفحة 62