كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
ذكر خبر يوم البشر
كان سبب هذا اليوم أن عبد الملك لما استقر له الأمر قدم عليه الأخطل الشاعر التغلبي وعنده الجحاف بن حكيم السلمي ، فقال له عبد الملك : أتعرف هذا يا أخطل ؟ قال : نعم ، هذا الذي أقول فيه :
ألا سائل الجحاف هل هو ثائر . . . بقتلى أصيبت من سليم وعامر
وأنشد القصيدة حتى فرغ منها ، وكان الجحاف يأكل رطبا فجعل النوى يتساقط من يده غيظاً ، ثم أجابه فقال :
بلى سوف نبكيهم بكل مهند . . . وننعى عميراً بالرماح الشواجر
ثم قال يا ابن النصرانية ؛ ما كنت أظن أن تجترىء علي بمثل هذا . فأرعد من خوفه ، ثم قام إلى عبد الملك فأمسك ذيله ، وقال : هذا مقام العائذ بك . فقال : أنا لك ، ثم قام الجحاف فمشى وهو يجر ثوبه ، ولا يعقل ، فتلطف لبعض كتاب الديوان حتى اختلف له عهداً على صدقات تغلب وبكر بالجزيرة ، وقال لأصحابه : إن أمير المؤمنين ولانى هذه الصدقات ، فمن أراد اللحاق بي فليفعل .
ثم سار حتى أتى رصافة هشام ، فأعلم أصحابه ما كان من الأخطل إليه ، وأنه افتعل كتاباً وأنه ليس له بوال ، فمن كان يحب أن يغسل عني العار وعن نفسه فليصحبني ، فإني أقسمت ألا أغسل رأسي حتى أوقع ببني تغلب . فرجعوا عنه غير ثلاثمائة قالوا : نموت لموتك ونحيا لحياتك ، فسار ليلته حتى أصبح بالرحوب ، وهو ماء لبني جشم بن بكر بن تغلب ، فصادف عليه جماعة عظيمة منهم ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وأسر الأخطل وعيه عباءة وسخة ، وظن الذي أسره أنه عبد ، فسأله عن نفسه ، فقال : عبد . فأطلقه فرمى بنفسه في جب ، مخافة أن يراه من يعرفه فيقتله ، وأسرف الجحاف في القتل ، وبقر البطون عن الأجنة ؛ وفعل أمراً عظيماً ، فلما عاد عنهم قدم الأخطل على عبد الملك فأنشده :
لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة . . . إلى الله منها المشتكي والمعول