كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 73 """"""
معاوية ، فبكت فبكى جواريها لبكائها ، فقال : قاتل الله كثير عزة ، لكأنه يشاهدنا حين يقول :
إذا ما أراد الغزو لم يثن همه . . . حصان عليها عقد در يزينها
نهته فلما لم تر النهى عاقه . . . بكت فبكى مما عناها قطينها
وسار عبد الملك نحو العراق ، فلما بلغ مصعب بن الزبير مسيره وهو بالبصرة أرسل إلى المهلب بن أبي صفرة وهو يقاتل الخوارج يستشيره . وقيل : بل أحضره إليه ، فقال لمصعب : اعلم أن أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك وكاتبهم فلا تبعدني عنك .
فقال له مصعب : إن أهل البصرة قد أبوا أن يسيروا حتى أجعلك على قتال الخوارج ، وهم قد بلغوا سوق الأهواز ، وأنا أكره إذ سار عبد الملك إلي ألا أسير إليه ، فاكفني هذا الثغر .
فعاد إليهم ، وسار مصعب إلى الكوفة ومعه الأحنف فتوفي الأحنف بالكوفة ، وأحضر مصعب إبراهيم بن الأشتر ، وكان على الموصل والجزيرة ، فجعله على مقدمته ، وسار حتى نزل باجميرا قريب أوانا فعسكر هناك ، وسار عبد الملك حتى نزل بمسكن على فرسخين أو ثلاثة من عسكر مصعب .
وكتب عبد الملك إلى أهل العراق من كاتبه ومن لم يكاتبه ، فجميعهم طلب أصفهان طعمة ، وأخفوا جميعهم كتبهم عن مصعب إلا ابن الأشتر فإنه أحضر كتابه مختوماً إلى مصعب ، فقرأه فإذا هو يدعوه إلى نفسه ، ويجعل له ولاية العراق . فقال له مصعب : أتدري ما فيه ؟ قال : لا ، قال : إنه يعرض عليك كذا وكذا ، وإن هذا لما يرغب فيه . فقال إبراهيم : ما كنت لأتقلد الغدر والخيانة ، والله ما عند عبد الملك من أحد من الناس بايأس منه منى ، ولقد كتب إلى جميع أصحابك مثل الذي كتب إلي ، فأطعني واضرب أعناقهم . فقال : إذاً لا تناصحني عشائرهم .

الصفحة 73