كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
فنادى محمد عيسى بن مصعب إليه ، فقال له مصعب : انظر ما يريد ، فدنا منه ، فقال له : إني لك ولأبيك ناصح ، ولكما الأمان . فرجع إلى أبيه فأخبره . فقال : إني أظن القوم يفون لك ، فإن أحببت أن تأتيهم ، فافعل . قال : لا تتحدث نساء قريش أني خذلتك ، ورغبت بنفسي عنك . قال : فاذهب أنت ومن معك إلى عمك بمكة ، فأخبره بما صنع أهل العراق ودعني فإني مقتول . فقال : لا أخبر قريشا عنك أبداً ، ولكن يا أبت الحق بالبصرة فإنهم على الطاعة ، أو الحق بأمير المؤمنين . فقال مصعب : لا تتحدث قريش أني فررت .
وقال لابنه عيسى : تقدم إذاً أحتسبك . فتقدم ومعه ناس ، فقتل ، وقتلوا ، وجاء رجل من أهل الشام ليحتز رأس عيسى ، فحمل عليه مصعب فقتله ، وشد على الناس فانفرجوا له ، وعاد ، ثم حمل ثانية فانفرجوا له ، وبذل له عبد الملك الأمان ، وقال : إنه يعز علي أن تقتل ، فاقبل أماني . ولك حكمك في المال والعمل ، فأبى ، فقال عبد الملك : هذا والله كما قال القائل :
ومدجج كره الكماة نزاله . . . لا ممعن هرباً ولا مستسلم
ودخل مصعب سرادقه فتحنط ورمى السرداق ، وخرج فقاتل ، فأتاه عبيد الله بن زياد بن ظبيان فدعاه إلى المبارزة فقال : يا كلب ، اغرب ، مثلي يبارز مثلك وحمل عليه مصعب فضربه على البيضة فهشمها وجرحه ، فذهب يعصب رأسه ، وترك الناس مصعباً وخذلوه حتى بقي في سبعة أنفس ، وأثخن بالرمي ، وكثرت فيه الجراحات ، فعاد إليه عبيد الله بن زياد بن ظبيان فضربه مصعب ، فلم يصنع شيئاً لضعفه ، وضربه ابن ظبيان فقتله . وقيل : بل نظر إليه زائدة بن قدامة الثقفي فحمل عليه ، فطعنه فقال : يالثارات المختار فصرعه وأخذ عبيد الله بن زياد رأسه وحمله إلى عبد الملك ، فألقاه بين يديه وأنشد :
نعاطى الملوك الحق ما قسطوا لنا . . . وليس علينا قتلهم بمحرم
فلما رأى عبد الملك الرأس سجد ، فقال ابن ظبيان : لقد هممت أن أقتل عبد الملك وهو ساجد فأكون قد قتلت ملكي العرب ، وأرحت الناس منهما ، وفي ذلك يقول :