كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 77 """"""
قال : وبعث عبد الملك برأس مصعب إلى أخيه عبد العزيز بن مروان بمصر ، فلما رآه وقد قطع السيف أنفه قال : رحمك الله ، أما والله لقد كنت من أحسنهم خلقا ، وأشدهم بأساً ، وأسخاهم نفساً .
ثم سيره إلى الشام فنصب بدمشق ، وأرادوا أن يطوفوا به في نواحي الشام ، فأخذته عاتكة بنت يزيد بن معاوية زوجة عبد الملك بن مروان ، فغسلته وطيبته ودفنته ، وقالت : أما رضيتم بما صنعتم حتى تطوفوا به المدن هذا بغي .
وكان عمر مصعب حين قتل ستا وثلاثين سنة .
ولما بلغ عبد الله بن خازم مسير مصعب لقتال عبد الملك قال : أمعه عمر بن عبيد الله بن معمر ؟ قيل : لا ، استعمله على فارس . قال : أمعه المهلب ؟ قيل : لا ، استعمله على الخوارج . قال : أمعه عباد بن الحصين ؟ قيل : لا ، استخلفه على البصرة . قال : وأنا بخراسان . وأنشد :
خذيني فجريني جعار وأبشري . . . بلحم امرىء لم يشهد اليوم ناصره
قال : ولما قتل مصعب كان المهلب يحارب الأزارقة بسولاف ثمانية أشهر ، فبلغ الأزارقة قتله قبل أن يبلغ المهلب ، فصاحوا بأصحاب المهلب : ما قولكم في مصعب ؟ قالوا : أمير هدى ؛ وهو ولينا في الدنيا والآخرة ، ونحن أولياؤه . قالوا : فما قولكم في عبد الملك بن مروان قالوا : ذلك ابن اللعين ، نحن نبرأ إلى الله منه ، وهو عندنا حل دماً منكم . قالوا : فإن عبد الملك قتل مصعباً ، وسيجعلون غداً عبد الملك إمامكم .
فلما كان الغد سمع المهلب وأصحابه قتل مصعب ، فبايع المهلب الناس لعبد الملك ، فصاح بهم الخوارج : يا أعداء الله ، ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : يا أعداء الله لا نخبركم . وكرهوا أن يكذبوا أنفسهم . قالوا : فما قولكم في عبد الملك ؟ قالوا : خليفتنا . ولم يجدوا بداً إذ بايعوه أن يقولوا ذلك . قالوا : يا أعداء الله ؛ أنتم بالأمس تتبرءون منه في الدنيا والآخرة ، وهو اليوم إمامكم ، وقد قتل أميركم الذي كنتم تتولونه ، فأيهما المهتدي ؟ وأيهما المبطل ؟ قالوا : يا أعداء الله ، رضينا بذاك إذ كان يتولى أمرنا ونرضى بهذا . قالوا : لا ، والله ، ولكنكم إخوان الشياطين وعبيد الدنيا .

الصفحة 77