كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 79 """"""
ولا ترجع حتى تضرب فسطاط عبد الملك ، وأقسم لئن رجع دون أن يفعل ذلك ليقتلنه .
فجمع الهذيل خيله ، وحمل ، فصبروا قليلاً ثم انكشفوا ، وتبعهم الهذيل بخيله حتى وطئوا أطناب الفسطاط ، وقطعوا بعضها ، ثم رجعوا . فقبل زفر رأس ابنه الهذيل . فقال : والله لو شئت أن أدخل الفسطاط لفعلت .
قال : وكان رجل من كلب يقال له الذيال يخرج فيسب زفر فيكثر ، فقال للهذيل ابنه أو لبعض أصحابه : أما تكفيني هذا ؟ قال : أنا آتيك به ، فدخل عسكر عبد الملك ليلاً ، فجعل ينادي من يعرف بغلا من صفته كذا وكذا ؟ حتى انتهى إلى خباء الرجل . فقال الرجل : رد الله عليك ضالتك . فقال : يا عبد الله ، إني قد أعييت ، فلو أذنت لي فاسترحت قليلاً . قال : ادخل ، فدخل ، والرجل وحده في خبائه ، فرمى بنفسه ، ونام صاحب الخباء ، فقام إليه فأيقظه ، وقال : والله ، لئن تكلمت لاقتلنك ، قتلت أو سلمت ، فماذا ينفعك قتلي إذا قتلت أنت ؛ ولئن سكت وجئت معي إلى زفر فلك عهد الله وميثاقه أن أردك إلى عسكرك بعد أن يصلك زفر ويحسن إليك ، فخرجا وهو ينادي : من دل على بغل من صفته كذا وكذا حتى أتى زفر . والرجل معه ، فأعلمه أنه قد أمنه ، فوهبه زفر دنانير وحمله على رحال النساء وألبسه ثيابهن ، وبعث معه رجالاً حتى دنوا من عسكر عبد الملك ، فنادوا : هذه جارية قد بعث بها زفر إلى عبد الملك ، وانصرفوا فلما رآه أهل العسكر عرفوه ، وأخبروا عبد الملك الخبر فضحك ، وقال : لا يبعد الله رجال مضر ، والله إن قتلهم لذل ، وإن تركهم لحسرة . وكف الرجل فلم يعد يسب زفر .
وقيل : إنه هرب من العسكر ، ثم أمر عبد الملك أخاه محمدا أن يعرض على زفر وابنه الهذيل الأمان على أنفسهما ومن معهما وأن يعطيا ما أحبا . ففعل ذلك ، فأجابا على أن لزفر الخيار في بيعته سنة ، وأن يترك حيث شاء ، وألا يعين عبد الملك على قتال ابن الزبير .

الصفحة 79