كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 82 """"""
فقدم المدينة في ذى القعدة سنة اثنتين وسبعين ، وأخرج عامل ابن الزبير منها ، وجعل عليها رجلاً من أهل الشام اسمه ثعلبة ، وقدم طارق مكة في ذى الحجة منها في خمسة آلاف ، وتقدم الحجاج إلى مكة ، فنزل عند بئر ميمون ، وحج بالناس في تلك السنة . إلا أنه لم يطف بالبيت ، ولا سعى بين الصفا والمروة ؛ منعه عبد الله ابن الزبير من ذلك ؛ ولم يحج ابن الزبير ولا أصحابه في تلك السنة . ونصب الحجاج المنجنيق على أبي قبيس ، ورمى به الكعبة ، فقال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما للحجاج ، اتق الله واكفف هذه الحجارة عن الناس ، فإنك في شهر حرام في بلد حرام ؛ وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ، وقد منعهم المنجنيق عن الطواف . فكف حتى انقضى الحج ، ثم نادى في الناس : انصرفوا إلى بلادكم ، فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير الملحد . قال : وأول ما رمى الكعبة بالمنجنيق رعدت السماء وبرقت ، وعلا صوت الرعد على الحجارة ، فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا أيديهم ، فأخذ الحجاج حجر المنجنيق ووضعه بيده ورمى به ، فجاءت الصواعق فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلاً ، فانكسر أهل الشام ، فقال الحجاج : أهل الشام ، لا تنكروا هذا ، فإني ابن تهامة ، وهذه صواعقها ، وهذا الفتح قد حضر ، فأبشروا .
فما كان الغد جاءت الصاعقة فأصابت من أصحاب ابن الزبير عدة . فقال الحجاج : ألا ترون أنهم يصابون كما تصابون ، وأنتم على الطاعة وهم على خلافها ، وكان الحجر يقع بين يدي عبد الله ابن الزبير وهو يصلي ، فلا ينصرف عن مكانه .
وغلت الأسعار عند ابن الزبير حتى ذبح فرسه ، وقسم لحمه في أصحابه ، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم والمد الذرة بعشرين درهماً ، وكانت بيوت ابن الزبير مملوءة قمحاً وشعيراً وذرة وتمراً ، وكان أهل الشام ينتظرون فناء ما عنده ، فكان لا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق ويقول : نفوس أصحابي قوية ما لم تفن .
فلما كان قبيل مقتله تفرق الناس عنه ، وخرجوا إلى الحجاج بالأمان ، فخرج من عنده نحو عشرة آلاف . وكان ممن فارقه ابناه حمزة وخبيب ، أخذا لأنفسهما أماناً ،

الصفحة 82