كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
فقال عبد الله لابنه الزبير : خذ لنفسك أماناً كما فعل أخواك ، فوالله إني لأحب بقاءكم . فقال : ما كنت لأرغب بنفسي عنك ، فقتل معه .
قال : ولما كان في الليلة التي قتل فيها عبد الله في صبيحتها جمع قريشاً فقام لهم : ما ترون ؟ فقال رجل من بني مخزوم : والله ، إنا قاتلنا معك حتى ما نجد مقتلاً ، والله لئن سرنا معه ما نزيد على أن نموت ، وإنما هي إحدى خصلتين : إما أن تأذن لنا فنأخذ الأمان لأنفسنا ولك ، وإما أن تأذن لنا فنخرج .
فقال له رجل : اكتب إلى عبد الملك . فقال : كيف أكتب من عبد الله أمير المؤمنين إلى عبد الملك بن مروان ؟ فوالله لا يقبل هذا أبداً ، أو أكتب لعبد الملك بن مروان أمير المؤمنين . من عبد الله بن الزبير ؟ فوالله لأن تقع الخضراء على الغبراء أهون علي من ذلك . فقال له عروة وهو جالس معه على السرير : قد جعل الله لك أسوة في الحسن بن علي رضي الله عنهما ، خلع نفسه وبايع معاوية ، فركضه برجله ورماه عن السرير ، وقال : قلبي إذاً مثل قلبك ، والله لو قلتها ما عشت إلا قليلاً وإن أضرب بسيف في عز خير من أن ألطم في ذل .
فلما أصبح دخل على امرأته أم هاشم فقال : اصنعي لي طعاماً . فلما صنعته وأتت به لاك منه لقمة ثم لفظها ، وقال : اسقوني لبناً فسقوه ، ثم اغتسل وتطيب وتحنط ، ودخل على أمه ، فقال : يا أماه ، قد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير ، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا ، فما رأيك ؟ قالت له : أنت أعلم بنفسك ، إن كنت تعلم أنك على حق وأنت تدعو إليه فامض له ، فقد قتل عليه أصحابك ، ولا تمكن من نفسك يتلعب بك غلمان بني أمية ، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك ومن قتل معك ، وإن قلت : كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت ، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين ، كم خلودك في الدنيا ؟ القتل أحسن فقال : يا أماه ، أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني . فقالت : يا بني ، إن الشاة لا تألم السلخ بعد الذبح ، فامض على بصيرتك ، واستعن بالله .
فقبل رأسها وقال : هذا رأيي ، والذي خرجت به داعياً إلى يومي هذا . ما