كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 86 """"""
السيوف ، فإن ألم الدواء للجراح أشد من ألم وقعها ، صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم ، غضوا أبصاركم عن البارقة ، وليشغل كل امرىء قرنه ، ولا تسألوا عني ، فمن كان سائلاً عني فإني في الرعيل الأول ، احملوا على بركة الله .
ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم الحجون فرمي بآجرة ، رماه بها رجل من السكون ، فأصابت وجهه فأرعش لها وسال الدم على وجهه ، فقال رضي الله عنه وأرضاه :
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا . . . ولكن على أعقابنا تقكر الدما
وقاتلهم قتالاً شديداً ، فتعاونوا عليه ، فقتلوه ، قتله رجل من مراد ، وحمل رأسه إلى الحجاج ، فسجد . ووفد السكوني والمرادى إلى عبد الملك بالخبر ؛ فأعطى كل واحد منهما خمسمائة دينار .
وقيل في قتله : إنه جاءه حجر المنجنيق وهو يقاتل فصرعه فاقتحم عليه أهل الشام ، وذهبوا به إلى الحجاج فحز رأسه بيده .
وكان مقتله - رضي الله عنه - في يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين وقيل في جمادى الآخرة منها ، وله ثلاث وسبعون سنة .
ولما قتل رضي الله عنه كبر أهل الشام فرحاً بقتله ؛ فقال عبد الله ابن عمر : انظروا إلى هؤلاء . انظروا إلى هؤلاء . لقد كبر المسلمون فرحاً بولادته ، وهؤلاء يكبرون فرحاً بقتله . وبعث الحجاج برأسه ورأس عبد الله بن صفوان ورأس عمارة ابن عمرو بن حزم إلى المدينة . ثم إلى عبد الملك وصلب جثته منكسة على الثنية اليمنى بالحجون ، فأرسلت إليه أسماء تقول : قاتلك الله على ماذا صلبته ؟ قال : استبقت أنا وهو إلى هذه الخشبة ، فكانت له . فاستأذنته في تكفينه ودفنه . فأبى .
وكتب إلى عبد الملك يخبره بصلبه ، فكتب إليه يلومه ، ويقول : ألا خليت بينه وبين أمه . فأذن لها الحجاج فدفنته بالجحون .

الصفحة 86