كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
وقال قطن بن عبد الله : كان الزبير يفطر من الشهر ثلاثة أيام ، ومكث أربعين سنة لم ينزع ثوبه عن ظهره . وقال مجاهد : لم يكن باب من أبوا ب العبادة يعجز عنه الناس إلا تكلفه ابن الزبير ، ولقد جاء سيل طبق البيت ، فجعل ابن الزبير رضي الله عنه يطوف سباحة . وماتت أسماء رضي الله عنها بعده بقليل . انتهت أخبار عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ، فلنذكر غير ذلك من أخبار أيام عبد الملك ونبدأ بتتمة أخبار الحجاج وما فعل بمكة والمدينة والله أعلم .
ذكر مبايعة أهل مكة عبد الملك بن مروان وما فعله الحجاج من هدم الكعبة وبنائها ومسيره إلى المدينة وما فعله فيها بالصحابة رضي الله عنهم
قال : ولما فرغ الحجاج من أمر عبد الله بن الزبير دخل مكة فبايعه أهلها لعبد الملك بن مروان ، وأمر بكنس المسجد الحرام من الحجارة والدم ، وهدم الكعبة في المحرم سنة أربع وسبعين ، وأعادها إلى البناء الأول وأخرج الحجر منها ، وكان عبد الملك يقول : كذب ابن الزبير فيما رواه عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في أمر الحجر ، وأنه من البيت . فلما قال له غير ابن الزبير : إن عائشة رضي الله عنها روت ذلك عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : وددت أني تركته وما تحمل .
والكعبة في وقتنا هذا على بنائها الذي أعاده الحجاج بن يوسف .
قال : ثم سار الحجاج إلى المدينة في سنة أربع وسبعين ، وكان عبد الملك قد عزل طارقاً عنها ، واستعمل عليها الحجاج ، فصار معه مكة والمدينة واليمن واليمامة ، فلما قدم المدينة أقام بها شهراً أو شهرين ، فأساء إلى أهلها ، واستخف بهم ، وقال : أنتم قتلة أمير المؤمنين عثمان ، وختم أيدي جماعة من الصحابة بالرصاص استخفافاً بهم ، كما يفعل بأهل الذمة ، منهم جابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وسهل بن سعد ، ثم عاد إلى مكة معتمراً ، وقال حين خرج من المدينة : الحمد لله الذي أخرجني من أم نتن ، أهلها أخبث أهل بلد ، وأغشه لأمير المؤمنين ، وأحسدهم له على نعمة الله ، والله لولا ما كانت تأتيني كتب أمير المؤمنين فيها لجعلتها مثل جوف الحمار ، أعواد يعوذون بها ، ورمة قد بليت ، يقولون : منبر رسول الله ، وقبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
فبلغ جابر بن عبد الله قوله ، فقال : إن وراءه ما يسوءه . قد قال فرعون ما قال ، فأخذ الله بعد أن أنظره .