كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)

"""""" صفحة رقم 94 """"""
فلما كان بعد العصر ورأت الخوارج من يأتي من عسكر عبد الرحمن من الرجال علموا أنه قد خف أصحابه ، فجعلوا بإزاء المهلب من يشغله ، وانصرفوا بحدهم إلى ابن مخنف ، فنزل ونزل معه القراء ، منهم أبو الأحوص صاحب ابن مسعود ، وخزيمة بن نصر أبو نصر بن خزيمة ، ونزل معه من قومه واحدٌ وسبعون رجلا ، وحملت عليهم الخوارج فقاتلوا قتالاً شديداً ، وانكشف الناس عنه ، وبقى في عصابةٍ من أهل الصبر ، فقاتلوا حتى ذهب نحو ثلثي الليل ، ثم قتل في تلك العصابة .
فلما أصبحوا جاء المهلب فصلى عليه ودفنه ، وكتب بذلك إلى الحجاج ، فبعث إلى عسكر عبد الرحمن عتاب ابن ورقاء ، وأمره أن يسمع إلى المهلب ، فساءه ذلك ، ولم يجد بداً من طاعته ، فجاء وقاتل الخوارج ؛ ثم وقع بينه وبين المهلب كلامٌ أغلظ كلٌ منهما لصاحبه ، فرفع المهلب القضيب على عتاب ، فوثب المغيرة بن المهلب فقبض القضيب من يد أبيه وسكته ، وأثنى على عتاب ، وافترقا .
فأرسل عتاب إلى الحجاج يشكو المهلب ، ويسأله أن يأمر بالعود ، فوافق ذلك حاجةً من الحجاج إليه ، فاستقدمه ، وأمره أن يترك ذلك الجيش مع المهلب ، فجعل المهلب عليهم ابنه حبيباً ، وقاتل المهلب الخوارج على سابور ، نحو سنةٍ بعد مسير عتاب عنه ، وكانت كرمان في يد الخوارج ، وفارس في يد المهلب ؛ فضاق على الخوارج مكانهم ، فخرجوا حتى أتوا كرمان ، وتبعهم المهلب حتى نزل بجيرفت ، وهي مدينة كرمان ، فقاتلهم قتالاً شديداً . ثم أرسل إليه الحجاج البراء بن قبيصة يحثه على قتال الخوارج ، ويأمره بالجد ، وأنه لا عذر له عنده .
فخرج المهلب بالعسكر ، فقاتل الخوارج من الغداة إلى الظهر ، ثم انصرفوا والبراء على تل مشرف يراهم ، فأثنى على المهلب وعلى أصحابه ، وانصرف إلى الحجاج ، وعرفه عذر المهلب ، ثم قاتلهم المهلب ثمانية عشر شهراً لا يقدر منهم على شيء إلى أن وقع بينهم الاختلاف .
ذكر الاختلاف بين الأزارقة ومفارقة قطري بن الفجاءة إياهم ومبايعتهم عبد رب الكبير والحرب بينه وبين المهلب ومقتله
وفي سنة سبع وسبعين وقع الاختلاف بين الخوارج ، فخلعوا قطري بن الفجاءة ، وبايعوا عبد رب الكبير ، واختلف في سبب ذلك ، فقيل : إن عاملاً لقطري على ناحية

الصفحة 94