كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
فلما طال عليهم الحصار خرجوا من جيرفت بأموالهم وحرمهم ، فقاتلهم المهلب قتالاً شديداً حتى عقرت الخيل وتكسر السلاح ، وقتل الفرسان ، فتركهم ، فساروا ؛ ودخل المهلب جيرفت ، ثم سار حتى لحقهم على أربعة فراسخ منها ، فقاتلهم من بكرة النهار إلى الظهر ، ثم كف عنهم ، فجمع عبد رب الكبير أصحابه ، وقال : يا معشر المهاجرين ؛ إن قطرياً ومن معه هربوا ، طلب البقاء ، ولا سبيل إليه ، فألقوا عدوكم ، وهبوا أنفسكم لله ، ثم عاود القتال ، فاقتتلوا قتالاً شديداً أنساهم ما قبله ، فتبايع جماعةً من أصحاب المهلب على الموت ، وترجلت الخوارج ، وعقروا دوابهم ، واشتد القتال ، وعظم الخطب حتى قال المهلب : ما مر بي يومٌ مثل هذا .
ثم هزم الله الخوارج ، وكثر القتل فيهم ، فكان عدد القتلى أربعة آلاف ، منهم ابن عبد رب الكبير ، ولم ينج منهم إلا القليل ، وأخذ عسكرهم وما فيه ، وبعث المهلب إلى الحجاج مبشراً . فلما دخل البشير إليه أخبره عن الجيش وعن الخوارج وذكر حروبهم ، وأخبره عن بني المهلب ، فقال : المغيرة فارسهم وسيدهم ، وكفى بيزيد فارساً شجاعاً ، وجوادهم وشجاعهم قبيصة ، ولا يستحي الشجاع أن يفر من مدركه . وعبد الملك سمٌ ناقع ، وحبيب موتٌ ذعاف ، ومحمد ليث غابٍ ، وكفاك بالمفضل نجدة . قال : فأيهم كان أنجد ؟ قال : كانوا كالحلقة المفرغة لا يعرف طرفها .
استحسن قوله : وكتب إلى المهلب يشكره ، ويأمره أن يولي كرمان من يثق إليه ، ويجعل فيها من يحميها ، ويقدم عليه ، فاستعمل عليها ابنه يزيد . وسار إلى الحجاج .
فلما قدم عليه أكرمه وأجلسه إلى جانبه ، وقال : يأهل العراق . أنتم عبيد المهلب . ثم قال له : أنت كمال قال لقيط بن يعمر الإيادي في صفة أمير الجيوش :
فقلّدوا أمركم لله درّكمو . . . رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
لا مترفاً إن رخاء العيش ساعده . . . ولا إذا عضّ مكروهٌ به خشعا
مسهّد النّوم تعنيه ثغوركمو . . . يروم منها إلى الأعداء مطّلعا