كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 21)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
ثم وعظ أصحابه وأمرهم بأمره ، وقال لهم : إن أكثركم رجالة ، وهذه دوابٌ لمحمد بن مروان فابدءوا بها ، فاحملوا عليها راجلكم وتقووا بها على عدوكم .
فخرجوا تلك الليلة فأخذوا الدواب ، وأقاموا بأرض دارا ثلاث عشرة ليلة ، وتحصن أهلها منهم وأهل نصيبين وسنجار ، وكان خروجه في مائة وعشرين ، وقيل : وعشرة .
وبلغ ذلك محمد بن مروان وهو أمير الجزيرة يومئذ ، فأرسل إليهم عدي بن عدي الكندي في ألفٍ ، فسار من حران ، وكأنه يساق إلى الموت ، وأرسل عديٌ إلى صالح يسأله أن يخرج من هذه البلد ، ويعلمه أنه يكره قتاله . وكان عديٌ ناسكاً ، فأعاد صالح إليه : إن كنت ترى رأينا خرجنا عنك . فأرسل إليه : إني لا أرى رأيك ، ولكني أكره قتالك وقتال غيرك . فقال صالح لأصحابه : اركبوا ، فركبوا ، وحبس الرسول عنده ومضى . فأتى عدياً وهو يصلي الضحى ، فلم يشعروا إلا والخيل قد طلعت عليهم ، وهو على غير تعبئة ، فحمل عليهم شبيب وهو على ميمنة صالح ، وسويد بن سليم وهو على ميسرته ؛ فانهزموا ، وأتى عدي بدابته فركبها ، وانهزم . وجاء صالح فنزل في معسكره ، وأخذ ما فيه ، ودخل أصحاب عدي على محمد ابن مروان فغضب على عدي . ثم دعا خالد بن جزء السلمي ، فبعثه في ألف وخمسمائة ، وبعث الحارث بن جعونة في ألف وخمسمائة ، وقال : اخرجا إلى هذه المارقة ، وأغذا السير ، فأيكما سبق فهو الأمير على صاحبه ، فخرجا متساندين يسألان عن صالح ؛ فقيل : إنه نحو آمد ، فقصداه ، فوجه صالح شبيباً في شطر من أصحابه إلى الحارث ، وتوجه هو نحو خالد ، فالتقيا ، واقتتلوا وقت العصر أشد قتال حتى أمسوا ، وقد كثر الجراح في الفريقين ، فلما حال بينهما الليل خرج صالح وأصحابه ، فساروا حتى قطعوا أرض الجزيرة والموصل ، وانتهوا إلى الدسكرة .