كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
فكتب أصحاب الأخبار بذلك إلى الرشيد ، فأمر بإحضاره فأحضر ، وقال : ما حملك على ما قلت ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، كان إلي محسناً ، فلما رأيته على الحال التي هو عليها حركني إحسانه ، فما ملكت نفسي حتى قلت الذي قلت . قال : فكم كان يجري عليك ؟ قال : ألف دينار ، قال : فإنا قد أضعفناها لك . وقال يحيى بن خالد لما نكبوا : الدنيا دول ، والمال عارية ، ولنا بمن قبلنا أسوة ، وفينا لمن بعدنا عبرة .
ذكر شيء من أخبار جعفر وتمكنه من الرشيد وما آل أمرهم إليه
قيل : كان جعفر قد بلغ من الرشيد ما لم يبلغه وزير من خليفة قبله ، كان يجلس معه في حلة واحدة قد اتخذ لها جيبان ، وبلغ عنده أن يحكم عليه فيما شاء من أمر ماله وولده ، فمن ذلك ما حكاه إبراهيم بن المهدي أخو الرشيد قال : قال لي جعفر يا إبراهيم ، إذا كان غداً فبكر لي ، فلما كان من الغد مشيت إليه باكراً ، فجلسنا نتحدث ، فلما ارتفع النهار أحضر حجاماً فحجمنا ، ثم قدم لنا الطعام فطعمنا ، ثم خلع علينا ثياب المنادمة ، وقال جعفر لحاجبه لا يدخل علينا إلا عبد الملك القهرمان ، فنسي الحاجب فجاء عبد الملك بن صالح الهاشمي ، وكان رجل بني هاشم فصاحة وملاحة وعلماً وحلماً وجلالة قدر وفخامة ذكر وصيانة وديانة ، فظن الحاجب أنه الذي أمره بدخوله فأدخله ، فلما رآه جعفر تغير لونه ، فعلم عبد الملك أنهم قد احتشموا ، فأراد أن يرفع خجله وخجلهم بمشاركته لهم ، فقال : اصنعوا بنا ما صنعتموه بأنفسكم ، فجاء الخادم وطرح عليه ثياب المنادمة ، وجلس يشرب فلما بلغ ثلاثاً قال : ليخفف عنا ، فإنه شيء ما شربته قط ، فتهلل وجه جعفر ثم قال له : هل من حاجة تبلغها مقدرتي وتحيط بها نعمتي فأقضيها لك ، مكافأة لما صنعت ؟ قال : إن أمير المؤمنين علي غاضب فتسأله الرضى عني ، قال : قد رضي عنك أمير المؤمنين ، قال : وعلي أربعة آلاف دينار ، قال : هي حاضرة من مال أمير المؤمنين ، قال : وابني إبراهيم أريد أن أشد ظهره بصهر من أمير المؤمنين ، قال : قد زوجه أمير المؤمنين ابنته عائشة ، قال : وأحب أن تخفق الألوية على رأسه ، قال : قد ولاه أمير المؤمنين مصر ، قال إبراهيم بن المهدي : فانصرف عبد الملك ، وأنا أعجب من إقدام جعفر على قضاء