كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
نقفور ، ويزعم الروم أنه من أولاد جفنة من غسان ، وكان قبل أن يملك يلي الخراج ، فلما استوثق الروم لنقفور كتب إلى الرشيد من نقفور - ملك الروم - إلى هارون - ملك العرب - أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ ، وأقامت نفسها مقام البيدق ، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أضعافها إليها ، لكن ذلك ضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها ، وافتد نفسك بما يقع من المصادرة لك ، وإلا فالسيف بيننا وبينك ، فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزه الغضب ، حتى لم يقدر أحد أن ينظر إليه دون أن يخاطبه ، وتفرق جلساؤه ، فدعا بداوة وكتب على ظهر الكتاب : من هارون - أمير المؤمنين - إلى نقفور كلب الروم ، قد قرأ كتابك يابن الكافرة ، والجواب ما تراه دون ما تسمعه والسلام . ثم سار من يومه حتى نزل على هرقلة ، ففتح وغنم وأحرق وخرب ، فسأله نقفور المصالحة على خراج يحمله إليه في كل سنة ، فأجابه إلى ذلك ، فلما رجع الرشيد نقض نقفور العهد ، وكان البرد قد اشتد فأمن رجعة الرشيد ، فجاء الخبر بنقضه وقد بلغ الرشيد الرقة ، فأشفق الناس من إعلام الرشيد ، وخافوا عوده لشدة البرد ، فاحتيل عليه بشاعر قيل هو أبو محمد عبد الله بن يوسف ، وقيل هو الحجاج بن يوسف التيمي فقال أبياتاً منها :
نقض الذي أعطيته نقفور . . . فعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمير المؤمنين فإنه . . . فتح أتاك به الإله كبير
فتح يزيد على الفتوح يؤمنا . . . بالنصر فيه لواؤك المنصور
فلما سمع الرشيد ذلك قال : أو فعل ذلك نقفور ورجع إلى بلاد الروم في أشد زمان ، حتى بلغ بلادهم فبلغ ما أراد ، وقيل كان ذلك في سنة تسعين ومائة وفتح هرقلة - على ما نذكره إن شاء الله تعالى .
وفيها زلزت المصيصة فانهدم سورها ، ونضب ماؤها ساعة من الليل . وحج بالناس عبد الله بن العباس بن محمد بن علي .