كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 108 """"""
واضعك بغير ذلك الموضع ، وعامل على تطرق بلادك والهجوم على أمصارك ، أو تؤدي إلي ما كانت المرأة تؤديه إليك والسلام .
فلما ورد الكتاب على الرشيد كتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله هارون - أمير المؤمنين - إلى نقفور - كلب الروم - أما بعد فقد فهمت كتابك ، وجوابك عندي ما تراه عياناً لا ما تسمعه . ثم شخص من شهره ذلك يؤم بلاد الروم ، في جمع لم يسمع بمثله ، فلما بلغ نقفور ذلك ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وشاور في أمره ، وجد الرشيد فجعل يوغل في بلاد الروم ، فيقتل ويسبي ويغنم ويعفي الآثار ويخرب الحصون ، حتى صار إلى طرق متضايقة دون قسطنطينية ، فلما بلغها وجدها وقد أمر نقفور بالشجر فقطع ورمى به في تلك الطرق وأشعلت فيه النيران ، فكان الرشيد أول من لبس ثياب النفاطين فخاضها ، ثم اتبعه الناس فبعث إليه نقفور بالهدايا ، وخضع له أشد الخضوع وأدى له الجزية ، عن رأسه فضلاً عن أصحابه ، فرجع هارون - لما أطاعه ما أعطاه - إلى الرقة . فلما رجع وأمن نقفور أن يغزى اغتر بالمهلة ، ونقض ما كان بينه وبين الرشيد ورجع إلى حالته الأولى ، فلم يجتريء يحيى بن خالد فضلاً عن غيره على إخبار الرشيد بغدر نقفور ، وبذل هو وبنوه أموالاً للشعراء على أن يقولوا أشعاراً في إعلام الرشيد بذلك ، فكلهم أشفق إلا شاعر من أهل جدة يكنى أبا محمد ، وكان مجيداً قوي الشعر ، فإنه أخذ من يحيى وبنيه مائة ألف درهم ، ودخل إلى الرشيد فأنشده :
نقض الذي أعطيته نقفور . . . فعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمير المؤمنين فإنه . . . فتح أتاك به الإله كبير
فتح يزيد على الفتوح يؤمنا . . . بالنصر فيه لواؤك المنصور
فلقد تباشرت الرعية أن أتى . . . بالنقض منه وافد وبشير
درجت يمينك أن تعجل غزوة . . . تشفي النفوس نكالها مذكور
أعطاك جزيته وطأطأ خده . . . حذر الصوارم والردى محذور
فأجرته من وقعها وكأنها . . . بأكفنا شعل الظلام تطير

الصفحة 108