كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
انتهى إليهم أدخلوه وحده ومنعوا حفدته من الدخول ، فسلم بالخلافة ، فقال له رجل منهم : على رغم أنفك يا ماص بظر أمه ، فنهاه أبو العباس وأمر أبا سلمة بالعود إلى معسكره فعاد ، وأصبح الناس يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول فلبسوا السلاح ، واصطفوا لخروج أبي العباس ، وأتوه بالدواب ، فركب برذوناً أبلق ، وركب معه أهل بيته فدخلوا دار الإمارة ، ثم خرج إلى المسجد فخطب وصلى بالناس ، ثم صعد المنبر ثانية فقام في أعلاه ، وصعد عمه داود فقام دونه ، فتكلم أبو العباس فقال : الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه ، فكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا ، وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه ، والقوام به والذابين عنه والناصرين له ، وألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أحق بها وأهلها ، وخصنا برحم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقرابته ، وأنشأنا من آبائه ، وأنبتنا من شجرته ، واشتقنا من نبعته ، جعله من أنفسنا عزيزاً عليه ما عننتنا ، حريصاً علينا بالمؤمنين رءوفاً رحيماً ، ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع ، وأنزل بذلك كتاباً على أهل الإيمان يتلى عليهم فقال تبارك وتعالى فيما أنزل في محكم كتابه : " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " وقال تعالى : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " وقال : " وأنذر عشيرتك الأقربين " وقال : " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى " وقال : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى " فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا ، وأوجب حقنا ومودتنا ، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا ، تكرمة لنا وفضلاً علينا ، والله ذو الفضل العظيم ، وزعمت السباية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا فشاهت وجوههم ، ثم ولم أيها الناس ؟ وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم ، وبصرهم بعد جهالتهم ، وأنقذهم بعد هلكتهم ، وأظهر بنا الحق وأدحض بنا الباطل ، وأصلح بنا منهم ما كان فاسداً ، ورفع بنا الخسيسة ، وتمم بنا النقيصة ، وجمع الفرقة ، حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبر ومواساة في دينهم ، وإخواناً على سرر متقابلين في آخرتهم ، فتح الله ذلك منة ومنحة لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما قبضه الله قام بالأمر من بعده أصحابه شورى بينهم ، فحووا مواريث الأمم