كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 257 """"""
ذى الحجة ، وحصرها إلى شهر ربيع الآخر سنة ست وثمانين ونصب عليها المجانيق ، فطلب محمد الأمان لنفسه ولمن معه فأمنهم المعتضد ، فخرج إليه وسلم البلد فخلع عليه المعتضد وأكرمه وهدم سور البلد ، ثم بلغه أن محمداً يريد الهرب فقبض عليه وعلى أهله .
وحكى أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم عن أبي بكر الصولي أنه قال : كان مع المعتضد رجل أعرابي فصيح يقال له شعلة بن شهاب اليشكري وكان يأنس به ، فأرسله إلى محمد بن عيسى بن شيخ ليرغبه في الطاعة ويحذره العصيان ، قال : فصرت إليه فخاطبته فلم يجبني ، فتوجهت إلى عمته فصرت إليها ، فقالت : يا أبا شهاب كيف خلفت أمير المؤمنين ؟ فقلت : خلفته أماراً بالمعروف فعالاً للخير ، فقالت ، أهل لذلك ومستحقه ، وكيف لا وهو ظل الله الممدود على بلاده ، وخليفته المؤتمن على عباده ، فكيف رأيت صاحبنا ؟ قلت : رأيت غلاماً حدثاً معجباً قد استحوذ عليه السفهاء ، واستبد بآرائهم ، يزخرفون له الكذب ، فقالت : هل لك أن ترجع إليه بكتابي قبل لقاء أمير المؤمنين ؟ قلت : أفعل ، فكتبت إليه كتاباً لطيفاً أجزلت فيه الموعظة ، وكتبت في آخره :
اقبل نصيحة أم قلبها وجع . . . خوفاً عليك وإشفاقاً وقل سددا
واستعمل الفكر في قولي فإنك إن . . . فكرت ألفيت في قولي لك الرشدا
ولا تثق برجال في قلوبهم . . . ضغائن تبعث الشنآن والحسدا
مثل النعاج خمولاً في بيوتهم . . . حتى إذا أمنوا ألفيتهم أسدا
وداو داءك والأدواء ممكنة . . . وإذ طبيبك قد ألقى عليك يدا
أعط الخليفة ما يرضيه منك ولا . . . تمنعه مالاً ولا أهلاً ولا ولدا
واردد أخا يشكرٍ رداً يكون له . . . رداً من السوء لا تشمت به أحدا قال : فأخذ الكتاب وصرت إليه فلما نظر إليه رمى به إلي ثم قال : يا أخا يشكر ما بآراء النساء تتم الدول ، ولا بعقولهن يستأمن الملك ، ارجع إلى صاحبك ، ورجعت إلى المعتضد بالله فأخبرته الخبر ، فأخذ الكتاب فقرأه فأعجبه شعرها وعقلها ، ثم قال : إني لأرجو أن أشفعها في كثير من القوم ، فلما كان من فتح ما كان أرسل إلي المعتضد ، فقال : هل عندك علم من تلك المرأة ، قلت : لا ، قال : فامض مع

الصفحة 257