كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 258 """"""
الخادم فإنك ستجدها في جملة نسائها ، فمضيت فلما بصرت بي من بعيد كشفت عن وجهها ، وجعلت تقول :
ريب الزمان وصرفه . . . وعثاره كشف القناعا
وأذل بعد العز م . . . نا الصعب والبطل الشجاعا
ولكم نصحت فما أطع . . . ت وكم صرخت بأن أطاعا
فأبى بنا المقدور إل . . . لا أن نقسم أو نباعا
يا ليت شعري هل نرى . . . أبداً لفرقتنا اجتماعا
ثم بكت حتى علا صوتها وضربت بيدها على الأخرى ، وقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، كأني والله كنت أرى ما أرى ، فقلت لها : إن أمير المؤمنين وجه بي إليك ، وما ذاك إلا لجميل رأيه فيك ، قالت : فهل لك أن توصل لي رقعة إليه ؟ قلت : أفعل ، فدفعت إلي رقعة فيها :
قل للخليفة والإمام المرتضى . . . وابن الخلائف من قريش الأبطح
علم الهدى ومناره وسراجه . . . مفتاح كل عظيمة لم تفتح
بك أصلح الله البلاد وأهلها . . . بعد الفساد وطال ما لم تصلح
وتزحزحت بك هضبة العرب التي لولاك بعد الله لم تتزحزح
أعطاك ربك ما تحب فأعطه . . . ما قد يحب وجد بعفو واصفح
يا بهجة الدنيا وبدر ملوكها . . . هب ظالمي ومفسدي لمصلح
قال : فصرت بها إلى المعتضد بالله ، فلما قرأها ضحك وقال : لقد نصحت لو قبل منها ، وأمر أن يحمل إليها خمسون ألف درهم وخمسون تختاً من الثياب ، وأمر أن يحمل إلى ابن عيسى .
وفيها وصل رسول هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون إلى المعتضد على أن يقاطع على ما في يده ويد نوابه من مصر والشام ، ويسلم أعمال قنسرين إلى المعتضد ، ويحمل في كل سنة أربعمائة ألف دينار وخمسين ألف دينار ، فأجابه المعتضد إلى ذلك ، وسار من آمد واستخلف ابنه المكتفي ، فوصل إلى قنسرين