كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 26 """"""
فعدلوا فيها ، ووضعوها مواضعها ، وأعطوها أهلها ، وخرجوا خماصاً منها ، ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزوها وتداولوها ، فجاروا فيها واستأثروا بها وظلموا أهلها ، فأملى الله لهم حيناً حتى آسفوه ، فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا ، ورد علينا حقنا ، وتدارك بنا أمتنا ، وولى نصرنا والقيام بأمرنا ، ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض ، وختم بنا كما افتتح بنا ، وإني لأرجو ألا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير ، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح ، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله . يا أهل الكوفة ، أنتم أهل محبتنا ، ومنزل مودتنا ، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ، ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور عليكم ، حتى أدرككم زماننا ، وأتاكم الله بدولتنا ، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا ، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم ، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح ، والثائر المنيح .
وكان موعكاً فاشتد عليه الوعك ، فجلس على المنبر وقام عمه داود على مراقي المنبر ، فقال : الحمد لله شكراً الذي أهلك عدونا ، وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . أيها الناس : الآن قد قشعت حنادس الدنيا ، وانكشف غطاؤها وأشرقت أرضها وسماؤها ، وطلعت الشمس من مطالعها ، وبزغ القمر من مبزغه ، وأخذ القوس باريها ، وعاد السهم إلى منزعه ، ورجع الحق إلى نصابه ، في أهل بيت نبيكم أهل الرأفة والرحمة والعطف عليكم . أيها الناس : والله ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنكنز لجينا ، ولا عقيانا ، ولا نحفر نهراً ، ولا نبني قصراً ، وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم حقنا ، والغضب لبني عمنا ، وما كرهنا من أموركم ، فلقد كانت أموركم ترمضنا ، ونحن على فراشنا ، وتشتد علينا سوء سيرة بني أمية فيكم واستذلالهم لكم ، واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم ومغانمكم عليكم ، لكم ذمة الله تبارك وتعالى وذمة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ، تباً تباً لبني حرب

الصفحة 26