كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 261 """"""
ذكر وفاة المعتضد بالله وشيء من أخباره وسيرته
كانت وفاته ليلة الإثنين لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين ، قال : ولما اشتد مرضه اجتمع يونس الخادم وغيره من القواد إلى الوزير القاسم ليجدد البيعة للمكتفي ، وقالوا : إنا لا نأمن الفتنة ، فقال : أخاف أن أطلق المال فيبرأ أمير المؤمنين من علته فينكر ذلك ، فقالوا : إن بريء فنحن المحتجون والمناظرون ، وإن صار الأمر إلى ولده فلا يلومنا ونحن نطلب الأمر له ، فأطلق المال وجدد البيعة للمكتفي بالله ، وأحضر أولاد المعتمد ووكل بهم ، ثم توفي المعتضد وكانت علته فساد الجوف والمزاج والجفاف من كثرة الجماع ، وكان يؤمر بأن يقل الغذاء ويرطب معدته ولا يتعب نفسه ، فيستعمل ضد ذلك ويريهم أنه يحتمي ، فإذا خرجوا من عنده دعا بالجبن والزيتون والسمك فأكل ، فسقطت لذلك قوته واشتدت علته ، ومات رحمه الله وتولى غسله محمد بن يوسف القاضي ، وصلى عليه الوزير - حكاه ابن الأثير . وقال أبو الفرج بن الجوزي : غسله أحمد بن شيبة عند زوال الشمس ، وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي . ودفن ليلاً في دار محمد بن عبد الله بن طاهر بوصية منه ، وجلس الوزير في دار الخلافة للعزاء وجدد البيعة للمكتفي ، ومات المعتضد وله من العمر ست وأربعون سنة وقيل إلا شهرين ، وكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام ، وقيل وثلاثة وعشرين يوماً . وكان نحيفاً خفيف العارضين يخضب بالسواد ، ولما حضرته الوفاة أنشد :
تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى . . . وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا
ولا تأمنن الدهر إني أمنته . . . فلم يبق لي حالاً ولم يرع لي حقا
قتلت صناديد الرجال ولم أدع . . . عدواً ولم أمهل على ظنة خلقا
وأخليت دار الملك من كل نازع . . . فشردتهم غرباً وشردتهم شرقا
فلما بلغت النجم عزاً ورفعة . . . وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا
رماني الردى سهماً فأخمد جمرتي . . . فهأنذا في حفرتي عاجلاً ألقى
فياليت شعري بعد موتي ما ألقى . . . إلى نعم الرحمن أم ناره ألقى