كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 262 """"""
قال : وكان المعتضد ذا عزم وشهامة ونهضة ، بصيراً بالأمور حسن السياسة والسيرة ، ولما ولي وضع عن الناس البواقي وأسقط المكوس بالحرمين ، وبث العدل في الآفاق وبذل الأموال ، وغزا وجالس المحدثين وأهل الفضل والدين . قال ثابت بن قرة الحراني : ولي المعتضد الخلافة وليس في بيت المال إلا قراريط لا تبلغ الدينار ، والحضرة مطلوبة والأعمال منهوبة والأعراب والأكراد عائثون والأعداء متسلطون ، فأصلح الأمور وأحسن التدبير وقمع الخوارج وبالغ في العمارة وأنصف في المعاملة ورفق بالرعية ، حتى استفضل من ارتفاعه في سني خلافته تسع عشر ألف ألف دينار ، وتقدم إلى أجناده وأتباعه بلزوم الطريقة الحميدة ، وعرفهم أنه متى أفسد غلام أحد منهم كان المأخوذ به مولاه ، فسمع يوماً صوتاً من بعض الكروم مما يلي دجلة فأمر باستعلام الحال ، فأخبر أن غلام بعض الأمراء أخذ حصرماً من الكرم فأمر بإحضار الأمير ، وتقدم بضرب عنقه ، فلم يجسر أحد من الجند بعد ذلك على الفساد ، ثم قال المعتضد بعد ذلك لوزيره عبيد الله بن سليمان : لعلك أنكرت ما جرى من قتلي هذا الأمير بجرم جناه غيره ، فقال : هو ذاك يا أمير المؤمنين ، قال : كنت في خلافة المعتمد فرأيت هذا الأمير قتل رجلاً عمداً بغير ذنب ، ولم يكن له وارث فنذرت لله تعالى إن ولاني الله أن أقتله به ، فلما وليت كنت أتطلب له العورات حتى جرى ما جرى من غلامه ، فقتلته بذلك الرجل وأقمت السياسة بقتله . قال : وكان المعتضد يسمى السفاح الثاني لأنه جدد ملك بني العباس ، ووطده بعد أن كانت الأتراك قد أخلقته ، وفي ذلك يقول ابن الرومي :
هنيئاً بني العباس إن إمامكم . . . إمام الهدى والجود والباس أحمد
كما بأبي العباس أسس ملككم . . . كذا بأبي العباس أيضاً تجدد
وحكى أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم بسند رفعه إلى أبي محمد عبد الله بن حمدون : قال : كان المعتضد بالله في بعض متصيداته مجتازاً بعسكره وأنا معه ، فصاح ناظور في قراح قثاء فاستدعاه ، وسأله عن سبب صياحه فقال : أخذ بعض الجيش