كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 263 """"""
من القثاء شيئاً ، فقال : اطلبوهم ، فجاءوا بثلاثة نفر ، فقال : هؤلاء الذين أخذوا القثاء ؟ فقال الناظور : نعم ، فقيدهم في الحال وأمر بحبسهم ، فلما كان من الغد أنفذهم إلى القراح وضرب أعناقهم فيه ، وسار فأنكر الناس ذلك وتحدثوا به ، ومضت على ذلك مدة طويلة ، فجلست أحادثه ليلة فقال لي : يا أبا عبد الله - هل يعيب الناس علي شيئاً ؟ عرفني حتى أزيله ، فقلت : كلا يا أمير المؤمنين ، فقال : أقسمت عليك بحياتي إلا صدقتني ، قلت : يا أمير المؤمنين - وأنا آمن ؟ قال : نعم ، قلت : سفك الدماء ، قال : والله ما هرقت دماً منذ وليت إلا بحقه ، قال : فأمسكت إمساك من ينكر عليه ، فقال : بحياتي ما تقول ؟ فقلت : يقولون إنك قتلت أحمد بن الطيب - وكان خادمك ، ولم تكن له جناية ظاهرة ، قال : دعاني إلى الإلحاد - قلت له يا هذا أنا ابن عم صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلم ، وأنا الآن منتصب منصبه فألحد - حتى أكون من ؟ فسكت سكوت من يريد الكلام ، فقال : في وجهك كلام ؟ فقلت : الناس ينقمون عليك أمر الثلاثة الذين قتلتهم في قراح القثاء ، فقال : والله ما كان أولئك الذين أخذوا القثاء ، وإنما كانوا لصوصاً حملوا من موضع كذا وكذا ، ووافق ذلك أمر القثاء ، وأردت أن أهول على الجيش بأن من عاث في عسكري وأفسد في هذا القدر كانت عقوبتي له هكذا ليكفوا عما فوقه ، ولو أردت قتلهم لقتلتهم في الحال ، وإنما حبستهم وأمرت بإخراج اللصوص من غد مغطين الوجوه ليقال إنهم أصحاب القثاء ، فقلت : فكيف تعلم العامة هذا ؟ قال : بإخراج القوم الذين أخذوا القثاء وإطلاقهم في هذه الساعة ، ثم قال : هاتوا القوم ، فجاءوا بهم وقد تغيرت حالهم من الحبس والضرب ، فقال : ما قصتكم ؟ فقصوا عليه قصة القثاء ، قال : أفتتوبون من مثل هذا الفعل حتى أطلقكم ؟ قالوا نعم ، فأخذ عليهم التوبة وخلع عليهم وأمر بإطلاقهم ورد أرزاقهم عليهم ، فاشتهرت الحكاية وزالت عنه التهمة .
وحكى عبد الله بن عبدون في كتابه المترجم بكمامة الزهر وصدفة الدرر : أن أحد كبراء دولته ووزرائه كان قد بنى بناءً عالياً مشرفاً على جيرانه ، فلم يعارضه أحد منهم لمكانه من الخليفة ، وكان يجلس فيه فنظر يوماً إلى دار من دور جيرانه ، فرأى جارية بارعة الجمال فأولع بها ، وسأل عنها وإذا هي ابنة أحد التجار ، فخطبها من أبيها فامتنع من زواجه - وكان من أهل اليسار ، وقال : لا أزوج ابنتي إلا من تاجر مثلي ، فإنه إن ظلمها قدرت على الانتصاف منه ، وأنت إن ظلمتها لم أقدر لها على حيلة ، فأرغبه بالأموال وهو يأتي ، فلما أيس منه شكى ذلك إلى أحد خواصه ، فقال : ألف مثقال تقوم لك بهذا الأمر ، فقال : والله لو علمت أني أنفق عليها مائة

الصفحة 263