كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 264 """"""
ألف دينار وأنالها لفعلت ، قال له : لا عليك تحضر لي ألف دينار ، وأمر بألف دينار فأحضرت فأخذها الرجل ، ومشى بها إلى عشرة من العدول ، وذكر لهم الأمر وسهله عليهم ، وقال : إنكم تحيون نفساً قد أشرفت على الهلاك ، وقال : إنه قد بذل لها كذا وكذا من المهر وأعلى لهم ، وأبوها إنما هو عاضل لها وإلا فما يمنعه ، وقد خطبها مثل فلان في جلالة قدره ، وقد أعطاها صداقاً لا يعطى إلا لبنت ملك ، ثم هو يتأبى - هل هذا إلا عضل بين ؟ ولكم ألف مثقال لكل منكم مائة ، وتشهدون أنه زوجها منه على صداق مبلغه كذا وكذا ، ورفع قدر الصداق إلى غاية ، وقال : إن أباها إذا علم أنكم قد شهدتم عليه رجع إلى هذا ، وليس فيه إلا الخير والعز ، فأجابوه إلى ذلك وأخذوا الذهب ، وشهدوا أن أباها زوجها منه على صداق كبير ، فلما علم أبوها بذلك زاد نفاره ، فمشى الوزير إلى القاضي وقال : إني تزوجت ابنة فلان على هذا الصداق وهؤلاء الشهود على أبيها ، وقد أنكر ذلك ، فأمر القاضي بإحضار أبيها فحضر ، فشهد الشهود عليه ، وأحضر الوزير مال النقد بين يدي القاضي - والرجل متماد على الإنكار ، فحكم القاضي عليه وأمر بحمال المال إليه ، وأن تؤخذ ابنته أحب أم كره ، فأخذت منه ونقلت إلى الوزير ، فأعمل أبوها الحيلة في الوصول إلى المعتضد ، وكان المعتضد غليظ الحجاب لا يصل إليه غير الخاصة ، فقيل للرجل : إنه يحضر ساعة في كل يوم لبنيان بني له بقصره ، فإن استطعت أن تكون في جملة رجال الخدمة فإنك تصل إليه ، فغير الرجل شكله ودخل في جملة رجال الخدمة للبناء ، فلما جاء المعتضد ترامى الرجل إلى الأرض ونثر التراب على رأسه ، فسأله المعتضد عن شأنه فقص عليه القصة ، فأحضر الوزير وأغلظ له في القول ، فحملته هيبة المعتضد على أن ذكر له الوقعة كما وقعت ، ثم أحضر الشهود فقالوا كما قال ، كل ذلك إجلالاً له أن يقعوا في الكذب بين يديه ، وهم يظنون أنه لا يؤاخذهم لتمكن ذلك الوزير منه ، فلما تبين له الأمر أمر أن يصلب كل شاهد منهم على باب داره ، وأن يجعل ذلك الوزير في جلد ثور طري السلخ ، ويضرب حتى يختلط عظمه ولحمه بدمه ، فصنع به ذلك ، ثم أمر أن يفرغ بين يدي نمور كانت عنده ، فلعقته تلك النمور ، وأمر بتسليم الجارية إلى أبيها ، وأن تعطى ما أقر الوزير لها به من الصداق من عقار وغيره .
وحكى أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي : أن شيخاً من التجار كان له على أحد من القواد في أيام المعتضد بالله مال ، قال

الصفحة 264