كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 265 """"""
التاجر : فمطلني وكان يحجبني إذا حضرت إلى بابه ، ويضع غلمانه على الاستخفاف بي والاستطالة علي إذا رمت لقاءه وخطابه ، وتظلمت إلى عبيد الله بن سليمان الوزير منه ، فما نفعني ذاك ، فعزمت على الظلامة إلى المعتضد بالله ، فبينما أنا مترو في أمري قال لي بعض أصدقائي : علي أن آخذ لك مالك من غير حاجة إلى ظلامة - فاستبعدت هذا ، فقمت معه فجئنا إلى خياط شيخ في سوق الثلاثاء ، يقرأ القرآن في مسجد هناك ويخيط بأجرة ، فقص عليه قصتي وشرح له الصورة ، وسأله أن يقصد القائد ويخاطبه في الخروج إلي من حقي ، وكانت دار القائد قريبة من مسجد الخياط ، فنهض معنا فلما مشينا خفت بادرة القائد وسطوته ، وتصورت أن قول الخياط لا ينفع مع مثله مع محله وبسطته ، فتأخرت قلت لصديقي : قد عرضنا هذا الشيخ ونفوسنا لمكروه عظيم ، وما هو إلا أن يراه غلمانه وقد أوقعوا به ، وإن كان لم يقبل أمر الوزير فأولى ألا يقبل منه ولا يفكر فيه ، فضحك وقال : لا عليك ، وجئنا إلى باب القائد ، فحين رأى غلمانه الخياط تلقوه وأعظموه ، وأهووا ليقبلوا يده ، فمنعهم منها ، وقالوا : ما جاء بك أيها الشيخ فإن قائدنا راكب ، فإن كان لك أمر تقدم بذكره لنا ونحن نخبره به ، وإن أردت الجلوس وانتظاره فالدار بين يديك ، فلما سمعت ذلك قويت نفسي ودخلنا وجلسنا ، ووافى القائد فلما رآه أكرمه إكراماً شديداً ، وقال له : لست أنزع ثيابي حتى تأمر بأمرك ، فخاطبه في أمري ، فقال : والله ما معي إلا خمسة آلاف درهم ، فتسأله أن يأخذها ويأخذ رهوناً من مراكبي الذهب والفضة بقيمة ما بقي من ماله لأعطيه إياه بهد شهر ، فبادرت أنا إلى الإجابة وأحضر الدراهم والمراكب بقيمة الباقي ، وأشهدت الخياط وصديقي : أن الرهن عندي إلى مدة شهر ، فإن جاز كنت وكيله في بيعه وأخذ مالي من ثمنه ، وخرجنا فلما بلغنا مسجد الخياط ودخله طرحت الدراهم بين يديه ، وقلت : قد رد الله مالي بك وعلى يديك فخذ ما تريده منه على طيب نفس مني ، فقال : يا هذا - ما أسرع ما قابلتني بالقبيح على الجميل ، انصرف بمالك بارك الله لك فيه ، قلت : قد بقيت لي حاجة ، قال : ما هي ؟ قلت : أحب أن تخبرني عن سبب طاعة هذا القائد لك ، مع إقلاله الفكر بأكابر الدولة ، فقال : قد بلغت غرضك فلا تقطعني عن شغلي بحديث لا فائدة لك فيه ، فألححت عليه فقال : أنا رجل أقرأ وأؤم وأقريء في هذا المسجد منذ أربعين سنة ، لا أعرف كسباً إلا من الخياطة ، وكنت صليت المغرب منذ مدة وخرجت أريد منزلي ، فاجتزت على تركي كان في هذه الدار ، وأومأ إلى دار بالقرب منه ، وإذا امرأة جميلة الوجه قد اجتازت عليه ، فعلق بها وهو سكران وطالبها بالدخول إلى داره ، وهي تمتنع وتستغيث وتقول في جملة كلامها : إن زوجي قد حلف بالطلاق لا أبيت عنه ، وإن أخذني هذا وغصبني وبيتني

الصفحة 265