كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 266 """"""
عن منزلي خرب بيتي ولحقني من العار ما لا تدحضه الأيام عني ، وما أحد يغيثها ولا يمنع منها ، فجئت إلى التركي ورفقت به في أن يخلي عنها فلم يفعل ، وضرب رأسي بدبوس كان في يده فشجه ، وأدخل المرأة ، فصرت إلى منزلي وغسلت الدم عن وجهي وشددت رأسي ، وخرجت لصلاة العشاء الآخرة ، فلما فرغنا منها قلت لمن حضر : قوموا معي إلى هذا التركي عدو الله ، لننكر عليه ونخرج المرأة من عنده ، فقاموا فجئنا وصحنا على بابه ، فخرج إلينا في عدة من غلمانه فأوقع بنا ، وقصدني من بين الجماعة بالضرب الشديد الذي كاد يتلفني ، وحملت إلى منزلي وأنا لا أعقل أمري ، فنمت قليلاً للوجع ثم طار النوم عن عيني ، وسهرت متقلباً على فراشي ومفكراً في أمر المرأة ، فإنها متى أصبحت طلقت ، ثم قلت : هذا رجل شرب طول ليلته ولا يعرف الأوقات ، فلو أذنت لوقع له أن الفجر قد طلع ، فربما أخرج المرأة فمضت إلى بيتها وبقيت في حبال زوجها ، فتكون قد تخلصت من أحد المكروهين ، فخرجت متحاملاً إلى المسجد وصعدت المنارة وأذنت ، وجلست أطلع إلى الطريق فأرتقب خروج المرأة من الدار ، فما مضت ساعة حتى امتلأ الشارع خيلاً ورجلاً ومشاعل ، وهم يقولون من ذا الذي أذن ؟ ففزعت وسكت ثم قلت أخاطبهم وأصدقهم عن أمري لعلهم يعينوني على خروج المرأة ، فصحت من المنارة : أنا أذنت ، فقالوا : أنزل وأجب أمير المؤمنين ، فنزلت ومضيت معهم فإذا هم غلمان بدر ، فأدخلني على المعتضد بالله فلما رأيته هبته وأخذتني رعدة شديدة فقال لي : اسكن - ما حملك على الآذان في غير وقته ؟ وأن تغر الناس فيخرج ذو الحاجة في غير حينه ، ويمسك المريد للصوم وقت قد أبيح له الأكل والشرب ، قلت : يؤمنني أمير المؤمنين لأصدقه ، قال : أنت آمن ، فقصصت عليه قصة التركي ، وأريته الآثار الي في رأسي ووجهي ، فقال : يا بدر - علي بالغلام والمرأة ، فجيء بهما فسألهما المعتضد عن أمرها فذكرت له مثل ما ذكرت له ، فأمر بإنفاذها إلى زوجها مع ثقة يدخلها دارها ، ويشرح له خبرها ، ويأمره بالتمسك بها والإحسان إليها ثم استدعاني فوقفت بين يديه وجعل يخاطب الغلام ويسمعني ، ويقول له : كم رزقك ؟ وكم عطاؤك ؟ فيقول كذا وكذا قال : فما كان لك في هذه النعمة وفي هذه السعة وفي هؤلاء الجواري ما يكفيك ويكفك عن محارم الله ؟ وخرق سياسة السلطان والجرأة عليه ؟ وما كان عذرك في الوثوب بمن أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر ؟ فأسقط في يد الغلام ولم يكن له جواب يورده ، ثم

الصفحة 266