كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 267 """"""
قال : يحضر جوالق ومداق الجص وقيود وغل . فأحضر جميع ذلك فقيده وغله وأدخله الجوالق ، وأمر فدقوه بمداق الجص وهو يصيح إلى أن خفت صوته وانقطع حسه ، وأمر به فطرح إلى دجلة وتقدم إلى بدر بتحويل ما في داره ، ثم قال لي : - وقد شاهدت ذلك كله - متى رأيت يا شيخ منكراً كبيراً أو صغيراً فأنكره ولو على هذا - وأشار إلى بدر ، ومن تقاعس عن القبول منك فالعلامة بيننا أن تؤذن في مثل هذا الوقت لأسمع صوتك وأستدعيك ، قال الشيخ : فدعوت له وانصرفت ، وشاع الخبر بين الجند والغلمان ، فما سألت أحداً منهم بعدها إنصافاً أو كفاً عن قبيح إلا أطاعني فما رأيت خوفاً من المعتضد ، وما احتجت أن أؤذن في مثل ذلك الوقت إلى الآن . لي : اسكن - ما حملك على الآذان في غير وقته ؟ وأن تغر الناس فيخرج ذو الحاجة في غير حينه ، ويمسك المريد للصوم وقت قد أبيح له الأكل والشرب ، قلت : يؤمنني أمير المؤمنين لأصدقه ، قال : أنت آمن ، فقصصت عليه قصة التركي ، وأريته الآثار الي في رأسي ووجهي ، فقال : يا بدر - علي بالغلام والمرأة ، فجيء بهما فسألهما المعتضد عن أمرها فذكرت له مثل ما ذكرت له ، فأمر بإنفاذها إلى زوجها مع ثقة يدخلها دارها ، ويشرح له خبرها ، ويأمره بالتمسك بها والإحسان إليها ثم استدعاني فوقفت بين يديه وجعل يخاطب الغلام ويسمعني ، ويقول له : كم رزقك ؟ وكم عطاؤك ؟ فيقول كذا وكذا قال : فما كان لك في هذه النعمة وفي هذه السعة وفي هؤلاء الجواري ما يكفيك ويكفك عن محارم الله ؟ وخرق سياسة السلطان والجرأة عليه ؟ وما كان عذرك في الوثوب بمن أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر ؟ فأسقط في يد الغلام ولم يكن له جواب يورده ، ثم قال : يحضر جوالق ومداق الجص وقيود وغل . فأحضر جميع ذلك فقيده وغله وأدخله الجوالق ، وأمر فدقوه بمداق الجص وهو يصيح إلى أن خفت صوته وانقطع حسه ، وأمر به فطرح إلى دجلة وتقدم إلى بدر بتحويل ما في داره ، ثم قال لي : - وقد شاهدت ذلك كله - متى رأيت يا شيخ منكراً كبيراً أو صغيراً فأنكره ولو على هذا - وأشار إلى بدر ، ومن تقاعس عن القبول منك فالعلامة بيننا أن تؤذن في مثل هذا الوقت لأسمع صوتك وأستدعيك ، قال الشيخ : فدعوت له وانصرفت ، وشاع الخبر بين الجند والغلمان ، فما سألت أحداً منهم بعدها إنصافاً أو كفاً عن قبيح إلا أطاعني فما رأيت خوفاً من المعتضد ، وما احتجت أن أؤذن في مثل ذلك الوقت إلى الآن .
وحكى أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي أيضاً بسند رفعه إلى أبي بكر بن حوري - وكان يصحب أبا عبد الله بن أبي عوف قال : كنت ألزم ابن أبي عوف سنين بيننا جوار ومودة ، وكان رسمي كل ليلة أن أجيء بعد العتمة ، فحين يراني يمد رجله في حجري فأغمزها ، وأحادثه ويسألني عن الحوادث ببغداد وكتب استقريها له ، فإذا أراد أن ينام قبض رجله فقمت إلى بيتي ، وقد مضى ثلث الليل أو نصفه أو أقل ، فلما كان ذات يوم جاءني رجل كان يعاملني ، فقال : قد دفعت إلى أمر إن تم علي افتقرت ، قلت وما هو ؟ قال : رجل كنت أعامله فاجتمع لي عليه ألف دينار ، فطالبته فرهنني عقد جوهر قوم بألف دينار إلى أن يفتكه بعد شهور أو أبيعه ، وأذن لي في ذلك ، فلما كان أمس وجه يونس صاحب الشرطة من كبس دكاني ، وفتح صندوقي وأخذ العقد ، فقلت : أنا أخاطب ابن أبي عوف فيلزمه برده ، قال : وأنا مدل بابن أبي عوف لمكاني منه ومكانته من المعتضد ، فلما كانت تلك الليلة جئته وحادثته على رسمي ، وذكرت له في جملة حديثي العقد ، فلما سمع نحى رجله من حجري وقال : ما لي ولهذا أعادى خادماً صاحب شرطة الخليفة ؟ فورد علي أمر عظيم وخرجت من بيته ألا أعود ، فلما صليت العتمة من الليلة المقبلة جاءني خادم لابن أبي عوف ، وقال : يقول لك لم تأخرت الليلة ؟ إن كنت مشتكياً جئناك ، فاستحييت وقلت أمضي الليلة ، فلما رآني مد رجله وأقبلت أحدثه بحديث متكلف ، فصبر علي ساعة ثم قبض رجله فقمت ، فقال : يا أبا بكر انظر أي شيء تحت المصلى فخذه ، فرفعت المصلى فإذا برقعة فأخذتها ، وتقدمت إلى الشمعة فإذا فيها : يا يونس جسرت على قصد دكان رجل تاجر ، وفتحت صندوقه