كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 269 """"""
فسيسألك عما جرى فاصدقه وإياك أن تكذبه ، وعرفه أن ذلك حيلة مني عليه حتى وصل إليك هذا وحدثه بالحديث كله على شرحه ، وليكن إخبارك إياه بذلك بعد امتناع شديد ، وإحلاف لك منه بالطلاق والعتاق أن تصدقه وبعد أن تخرج من داره كل ما يعطيك إياه ويصير في بيتك . قال : فلما كان من غد حضر القاسم فحين رآه بدأ يساررني ، وفعل وفعلت كما تقرر ، ثم خرجت فإذا القاسم في الدهليز ينتظرني ، فقال : يا أبا محمد - ما هذا الجفاء لا تجيئني ولا تزورني ولا تسألني حاجة فاعتذرت إليه باتصال الخدمة علي ، فقال : لا يقنعني إلا أن تزورني اليوم ونتفرج ، فقلت : أنا خادم الوزير - فأخذني إلى طيارة وجعل يسألني عن حالي وأخباري فأشكو إليه الخلة والإضافة والبنات وجفاء الخليفة وإمساكه يده ، فيسترجع ويقول : يا هذا مالي لك ولم تضيق عليك ما يتسع علي ؟ أو تتجاوز نعمة خلصت لي ؟ أو يتخطاك حظ نازل في فنائي ؟ ولو عرفتني لعاونتك على إزالة هذا كله فشكرته ، وبلغنا داره فصعد ولم ينظر في شيء ، وقال : هذا يوم أحتاج أن أختص فيه بالسرور بأبي محمد ، ولا يقطعني أحد عنه ، وأمر كتابه بالتشاغل بالأعمال ، وخلاني في دار الخلوة وجعل يحادثني ويبسطني ، وقدمت الفاكهة فجعل يلقمني بيده ، وجاء الطعام وكانت هذه سبيله ، ووقع لي بثلاثة آلاف دينار فأخذتها للوقت ، وأحضر لي ثياباً وطيباً ومركوباً فأخذت ذلك ، وكان بين يدي صينية فضة فيها مغسل فضة فأخذتها ، وخرداذى بللور وكوز وقدح بللور فأمر بحمله إلى طيارى ، وأقبلت كلما رأيت شيئاً حسناً له قيمة طلبته ، فحمل إلي فرشاً وقال : هذا للبنات ، فلما تقوض المجلس خلا بي وقال لي : يا أبا محمد - أنت عالم بحقوق أبي عليك ومودتي لك ، فقلت : أنا خادم الوزير ، فقال : أريد أن أسألك عن شيء وتحلف لي أنك تصدقني عنه ، فقلت : السمع والطاعة - فأحلفني بالله وبالطلاق وبالعتاق على الصدق ، ثم قال : بأي شيء سارك الخليفة اليوم في أمري ؟ فصدقته عن كل ما جرى حرفاً بحرف ، فقال : فرجت عني ، ولكون هذا هكذا مع سلامة نيته لي أسهل علي فشكرته وودعته وانصرفت إلى منزلي ، فلما كان من غد بكرت إلى المعتضد فقال : هات حديثك فسقته عليه ، فقال : احفظ الدنانير ولا يقع لك أنى أعمل مثلها معك بسرعة .
وحكى عبد الرحمن أبو الفرج بن الجوزي أيضاً بسند رفعه إلى إسماعيل بن إسحاق القاضي قال :

الصفحة 269