كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 27 """"""
وبني أمية ، آثروا مدتهم العاجلة على الآجلة ، والدار الفانية على الدار الباقية ، فركبوا الآثام ، وظلموا الأنام ، وانتهكوا المحارم ، وغشوا الجرائم ، وجاروا في سيرتهم في العباد وسنتهم في البلاد ، ومرحوا في أعنة المعاصي ، وركضوا في ميدان الغي ، جهلاً باستدراج الله ، وأمناً لمكر الله فأتاهم بأس الله بياتاً وهم نائمون . فأصبحوا أحاديث ومزقوا كل ممزق ، فبعداً للقوم الظالمين ، وأدالنا الله من مروان وقد غره بالله الغرور ، وأرسل لعدو الله في عنانه حتى عثر في فضل خطامه . أظن عدو الله أن لن يقدر عليه . فنادى حزبه ، وجمع مكايده . ورمى بكتائبه . فوجد أمامه ووراءه . وعن يمينه وشماله . من مكر الله وبأسه ونقمته . ما أمات باطله . ومحق ضلاله . وجعل دائرة السوء به . وأحيا شرفنا وعزنا . ورد إلينا حقنا وإرثنا .
أيها الناس : إن أمير المؤمنين - نصره الله نصراً عزيزاً - إنما عاد إلى المنبر بعد الصلاة ، لأنه كره أن يخلط بكلام الجمعة غيره ، وإنما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك ، فادعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية ، فقد أبدلكم الله بمروان ، عدو الرحمن وخليفة الشيطان ، المتبع السفلة الذين أفسدوا في الأرض بعد صلاحها الشاب المكتهل المتمهل ، المقتدي بسلفه الأبرار الأخيار ، الذين أصلحوا الأرض بعد إفسادها بمعالم الهدى ومناهج التقوى . فعج الناس بالدعاء له ثم قال : يا أهل الكوفة : إنا والله ما زلنا مظلومين مقهورين على حقنا ، حتى أتاح الله لنا شيعتنا أهل خراسان ، فأحيا بهم حقنا ، وأفلج بهم حجتنا ، وأظهر بهم دولتنا ، فأراكم الله بهم ما كنتم تنتظرون ، وأظهر فيكم الخليفة من هاشم ، وبيض به وجوهكم ، وأدالكم على أهل الشام ، ونقل إليكم السلطان وعز الإسلام ، ومن عليكم بإمام منحه العدالة ، وأعطاه حسن الإيالة ، فخذوا ما أتاكم الله بشكر ، والزموا طاعتنا ، ولا تخدعوا عن أنفسكم ، فإن الأمر أمركم ، وإن لكل أهل بيت مصراً ، وإنكم مصرنا ، ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد - وأشار بيده إلى أبي العباس - . واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا ، حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم ( صلى الله عليه وسلم ) ، والحمد لله على ما أبلانا وأولانا .

الصفحة 27