كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 270 """"""
دخلت على المعتضد بالله وعلى رأسه أحداث روم صباح الوجوه ، فنظرت إليهم فرآني المعتضد بالله ، فلما أردت القيام أشار إلي فمكثت ساعة ، فلما خلا بي قال : أيها القاضي - والله ما حللت سراويلي على حرام قط .
وحكى أيضاً بسند رفعه إلى أبي محمد الحسن بن محمد الطلحي قال : حدثني أحد خدم المعتضد المختص بخدمته ، قال : كنا حوالي سرير المعتضد ذات يوم نصف النهار وقد نام بعد أن أكل ، وكان رسمنا أن نكون حول سريره أوقات منامه من ليل أو نهار ، فانتبه منزعجاً وقال : يا خدم - فأسرعنا الجواب ، فقال : ويلكم أغيثوني والحقوا الشط ، وأول ملاح ترونه منحدراً في سفينة فارغة فاقبضوا عليه ، وجيئوني به ووكلوا بسفينته ، فأسرعنا فوجدنا ملاحاً في سميرية منحدراً - وهي فارغة - فقبضنا عليه ، ووكلنا بسميريته وأصعدناه إليه ، فحين رآه الملاح تلف ، فصاح عليه صيحة عظيمة كادت روحه تخرج معها ، وقال : اصدقني يا ملعون عن قصتك مع المرأة التي قتلتها اليوم وإلا ضربت عنقك ، قال : فتلعثم وقال : نعم ، كنت اليوم من سحر في مشرعتي فنزلت امرأة وعليها ثياب فاخرة وحلى كثير وجوهر ، فطمعت فيها فاحتلت عليها حتى سددت فاها وغرقتها ، وأخذت جميع ما كان عليها ، ولم أجسر على حمل سلبها إلى بيتي كيلا يفشو الخبر ، فعملت على الهرب وانحدرت الساعة لأمضي إلى واسط ، فعلقني هؤلاء الخدم وحملوني ، فقال له : أين الحلى والسلب ؟ قال : في السفينة تحت البواري ، فقال المعتضد للخدم : جيئوني به ، فمضوا وأحضروه ، فقال : خذوا الملاح فغرقوه ففعلوا ، ثم أمر أن ينادى ببغداد على امرأة خرجت إلى المشرعة الفلانية سحراً وعليها الثياب والحلي فليحضر من يعرفها ، ويعطي صفة ما كان عليها ويأخذه فقد تلفت المرأة ، فحضر في اليوم الثاني أو الثالث أهل المرأة ، وأعطوا صفة ما كان عليها فسلم ذلك إليهم ، قال : فقلنا يا مولانا أوحي إليك ، فقال : رأيت في منامي كأن رجلاً شيخاً أبيض الرأس واللحية والثياب وهو ينادي بالأخذ لأول ملاح ينحدر الساعة فاقبض عليه ، وقرره عن خبر امرأة قتلها اليوم وسلبها ، وأقم عليه الحد - فكان ما شاهدتم .
وكان المعتضد بالله رحمه الله شجاعاً مقداماً ، فمما حكي عن شجاعته ما حكاه أبو الفرج بسند رفعه إلى خفيف السمرقندي قال :