كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 46 """"""
فلم ينتدب غيري وعلى هذا خرجت من عنده ، وقتلت من قتلت ، وشهد له أبو غانم الطائي وخفاف المروروزي وغيرهما من القواد فبايعوه ، ومنهم حميد بن قحطبة وغيره ، ثم سار عبد الله حتى أتى حران ، وبها مقاتل العكي قد استخلفه أبو جعفر لما سار إلى مكة ، فتحصن منه مقاتل فحصره أربعين يوماً ، وكان أبو مسلم قد عاد من الحج مع المنصور كما ذكرناه ، فقال للمنصور : إن شئت جمعت ثيابي في منطقتي وخدمتك ، وإن شئت أتيت خراسان وأمددتك بالجنود ، وإن شئت سرت إلى حرب عبد الله بن علي ، فأمره بالمسير لحرب عبد الله ، فسار نحوه في الجنود ولم يتخلف عنه أحد ، فلما بلغ عبد الله إقبال أبي مسلم الخراساني أعطى العكي أماناً ، فنزل إليه فيمن معه فوجهه إلى عثمان بن عبد الأعلى الأزدي بالرقة ، ومعه ابناه ، وكتب معه كتاباً ، فلما قدموا على عثمان دفع العكي الكتاب إليه فقتله واحتبس أولاده ، قال : وخشى عبد الله ألا يناصحه أهل خراسان فقتل منهم نحواً من سبعة عشر ألفاً ، واستعمل حميد بن قحطبة على حلب ، وكتب معه كتاباً إلى زفر بن عاصم يأمره بقتل حميد إذا قدم عليه ، فلما كان ببعض الطريق قرأه ، فإذا فيه قتله ، فأعلم خاصته بما فيه وانقلب إلى العراق على الرصافة ، فتبعه ناس كثير ، وأمر المنصور محمد بن صول بالمسير إلى عبد الله بن علي ليمكر به ، فلما أتاه قال له : سمعت أبا العباس يقول : الخليفة بعدي عمي عبد الله ، فقال له : كذبت إنما وضعك أبو جعفر وضرب عنقه ، ثم أقبل عبد الله حتى نزل نصيبين وخندق عليه ، وقدم أبو مسلم ناحية نصيبين وأخذ طريق الشام ولم يعرض لعبد الله ، وكتب إليه : لم أومر بقتالك ، وإنما أمير المؤمنين ولاني الشام ، فأنا أريدها ، فقال من كان مع عبد الله من أهل الشام له : كيف نقيم معك ؟ وهذا يأتي بلادنا فيقتل من قدر عليه من رجالنا ، ويسبى ذرارينا ، ولكنا نخرج إلى بلادنا فنمنعه ونقاتله ، فقال لهم عبد الله : والله ما يريد الشام وما توجه إلا لقتالكم ، ولئن أقمتم ليأتينكم ، فأبوا إلا المسير إلى الشام ، فارتحل عبد الله نحو الشام ، فنزل أبو مسلم في معسكر عبد الله ، وغور ما حوله من المياه ، فقال لأصحابه : ألم أقل لكم ، ورجع فنزل في مكان عسكر أبي مسلم الذي كان به أولاً ، ثم التقوا واقتتلوا خمسة أشهر عدة وقعات ، حتى كادت الهزيمة تكون على أصحاب أبي مسلم ، وانهزم بعضهم ، فكان أبو مسلم يرتجز في ذلك فيقول :
من كان ينوي أهله فلا رجع . . . فر من الموت وفي الموت وقع

الصفحة 46