كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 50 """"""
أن أوجه أبا إسحاق إلى أمير المؤمنين فيأتيني برأيه ، فإنه ممن أثق به فوجهه ، فلما قدم تلقاه بنو هاشم بكل ما يحب ، وقال له المنصور : اصرفه عن وجهه ولك ولاية خراسان وأجازه ، فرجع أبو إسحاق إلى أبي مسلم وقال : ما أنكرت شيئاً ، ورأيتهم معظمين لحقك ، يرون لك ما يرون لأنفسهم ، وأشار عليه أن يرجع إلى المنصور فيعتذر إليه ، فقال له نيزك : قد أجمعت على الرجوع ؟ قال : نعم ، وتمثل :
ما للرجال مع القضاء محالة . . . غلب القضاء بحيلة الأقوام
قال : فإذا عزمت على هذا فخار الله لك ، احفظ عني واحدة : إذا دخلت عليه فاقتله ، ثم بايع لمن شئت ، فإن الناس لا يخالفونك . وكتب أبو مسلم إلى المنصور إنه منصرف إليه ، وسار نحوه واستخلف أبا نصر مالك بن الهيثم على عسكره ، وقال له : أقم حتى يأتيك كتابي ، فإن أتاك مختوماً بنصف خاتم فأنا كتبته ، وإن أتاك بخاتمي كله فلم أختمه ، وقدم المدائن في ثلاثة آلاف رجل وخلف الناس بحلوان . قال : ولما دنا أبو مسلم من المنصور أمر الناس بتلقيه ، فتلقاه بنو هاشم والناس ، ثم قدم فدخل على المنصور فقبل يده ، فأمره أن ينصرف يستريح ليلته ويدخل الحمام فانصرف .
فلما كان من الغد دعا المنصور عثمان بن نهيك وأربعة من الحراس ، فأمرهم أنه إذا صفق بيده أن يقتلوا أبا مسلم وتركهم خلف الرواق ، واستدعى أبا مسلم فدخل عليه ، فقال له المنصور : أخبرني عن نصلين أصبتهما مع عبد الله بن علي ، قال : هذا أحدهما ، قال : أرنيه فانتضاه وناوله إياه ، فوضعه المنصور تحت فراشه ، وأقبل يعاتبه وقال له : أخبرني عن كتابك إلى السفاح تنهاه عن الموات ، أردت أن تعلمنا الدين ؟ قال : ظننت إن أخذه لا يحل ، فلما أتاني كتابه علمت أنه وأهل بيته معدن العلم ، قال : أخبرني عن تقدمك إياي بطريق مكة ، قال : كرهت اجتماعنا على الماء فيضر ذلك بالناس ، فتقدمت للرفق ، وذكره بذنوبه وما أنكره عليه ، وكان من جملة ما ذكر له - ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك ، وتخطب عمتي آمنة بنت علي ، وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن عباس ، لقد ارتقيت - لا أم لك - مرتقىً صعباً ، ثم قال : وما الذي دعاك إلى قتل سليمان بن كثير ؟ مع أثره في دعوتنا وهو أحد نقبائنا قبل أن يدخلك في هذا الأمر قال : أراد الخلاف علي وعصياني فقتلته ، فلما طال عتاب المنصور له قال : لا يقال هذا بعد بلائي وما كان مني قال : يا ابن الخبيثة ، والله

الصفحة 50